عبد السلام أديب
يظل التعريف الكوني للديمقراطية متمثلا في حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب، لذلك فإن مقياس الانتخابات يبقى اختيار ممثلي الشعب لبلورة اختياراتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي قد تنعكس عليهم ايجابيا من حيث تحقيق التنمية بأبعادها الشاملة.لكن ممارسة الانتخابات في المغرب منذ خروج الاستعمار لم تكن لها نتائج ملموسة على مستوى التنمية الشاملة، فلم تتراجع التبعية الاقتصادية، وظل الأداء الاقتصادي لصالح حفنة من البرجوازية وأصحاب النفوذ، بينما ظل الفقر والتهميش يتعمق في بلادنا إلى أن بلغ درجات غير مسبوقة عالميا.ومع مرور الزمن أصبح المغاربة يعون جيدا أنهم سواء صوتوا على اليمين أو على اليسار أو على الاسلاميين فإن ذلك لن يغير شيئا في القفة اليومية ولن يشغل أبنائهم وأن وضعهم المعيشي سيتدهور بفعل الغلاء وتراجع الخدمات الأساسية، ومع ذلك لم يساهم المغاربة يوما في الانتخابات التشريعية أو الجماعية أو حتى في الاستفتاء حول الدساتير الممنوحة بحرية تامة، فقد ظل المغاربة دائما يجدون نفسهم تحت ضغوط متنوعة من أجل الادلاء بأصواتهم، أولا لأن مشاركة عدد كبير من المغاربة في الانتخابات هو موجه للاستهلاك الخارجي، حتى ينتشر الاعتقاد بأن المغاربة راضون عن النظام السياسي القائم رغم طابعه الفردي المخزني الاستبدادي، ثم ثانيا موجه للاستهلاك الداخلي لإعطاء الانطباع بالرضى الجماعي بالاختيارات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة رغم أن هذه الاختيارات تؤدي إلى مراكمة الثروات لدى التحالف الطبقي القائم مقابل توسيع الفقر والبطالة في مختلف الأوساط الشعبية.لقد ظلت إرادة الناخبين تزور في فترة سنوات الرصاص، كما مورست الضغوط على الأحزاب السياسية والنقابات من أجل تدجينها عند كل استحقاقات انتخابية حتى تعودت مع الزمن على الامتثال سواء في سلوكها أو في برامجها لإرادة الحكم الفردي المخزني المنبثقة عن الدستور الممنوح، فحتى وإن لم تزور اليوم الانتخابات فإن الأحزاب السياسية التي أصبحت مدجنة تتسابق على الأصوات وتقول ما يقوله عباس الفاسي وهي "أن برامجها هي برامج الملك"، فأي معنى يبقى للانتخابات وللديمقراطية في هذه الحالة بحيث تصبح مجرد ديموقراطية للاستهلاك أو ديموقراطية للواجهة.لقد قاطع المغاربة الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر 2008 بشكل عارم بلغ نسبة 83 % وقد كانت المقاطعة واعية جاءت على الخصوص من الشباب المتعلم، ولم يشارك سوى المنخرطون في الأحزاب المشاركة وعدد من المواطنات والمواطنين الذين لم يستوعبوا بعد طبيعة النظام السياسي الجامد القائم بالمغرب. هاهي الانتخابات الجماعية ليوم الجمعة 12 يونيو 2009 قد أصبحت على الأبواب فما هي الجدوى من المشاركة فيها؟ هل تعني المشاركة في هذه الانتخابات أن أحوال الجماهير الشعبية ستتغير؟ هل ستؤدي هذه الانتخابات إلى تشغيل واسع للعاطلين في وسط حملة الشواهد و حملة السواعد أم سيقتصر الأمر على التشغيل بالزبونية لفائدة الأحزاب المشاركة كما يحدث حاليا؟ هل ستؤدي المشاركة فعلا إلى التنمية المحلية اقتصاديا واجتماعيا في عدد من المدن والقرى المهمشة مثل آزيلال وسيدي افني وصفرو وبوعرفة خنيفرة؟ هل سننتظر من الانتخابات المقبلة أن تعيد الاعتبار للتعليم العمومي والصحة العمومية والاسكان الشعبي أم سيتواصل التدمير الحاصل حاليا للخدمات الأساسية والإمعان في تسليع جميع جوانب الحياة؟ هل ستحقق المشاركة إصلاحا زراعيا يثبت الفلاح في أرضه ويوفر له البنيات التحتية الأساسية؟علينا أن نطرح هذه التساؤلات على أنفسنا لكي نختار عن وعي بين المشاركة أم المقاطعة. فقد يقول قائل أنه لا بأس من المشاركة ومحاولة ادخال التغيير عبر المشاركة، لكن الجواب على هذه المقولة ينطلق من التجربة الملموسة، فمشاركة القوى الديموقراطية في الانتابات ابتدأ سنة 1963 و1977 و1983 و1992 و1997 و2003 و2007، لكن لاشيء تغير من الداخل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بل أن التغييرات حدثت في مستوى عيش النخب الانتهازية التي التحقت بخدام المخزن أما التغييرات الطفيفة التي حدثت فجاءت نتيجة الاصطدامات السياسية العنيفة بين الجماهير الشعبية من جهة والتحالف الطبقي الحاكم من جهة أخرى، لكنها تظل تغيرات شكلية لا تمس الجوهر.لكن إذا ما قادنا تحليلنا إلى اختيار المقاطعة فعلى أي أساس سيتم ذلك؟ ما الهدف من مقاطعتنا للانتخابات الجماعية؟ وكيف يمكننا تحقيق الهدف المنشود؟سنحاول من خلال هذه الورقة تقديم بعض الإجابات عن هذه التساؤلات مساهمة منا في منهجية فكر المقاطعة.أولا: الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم:كما أشرت إلى ذلك من قبل لم يطرأ على بنية النظام السياسي القائم أي تغيير منذ خروج الاستعمار سنة 1956، حيث استمر نفس الحكم الفردي المخزني القائم الذي يقوم على برلمان وحكومة تتحملان مسؤولية شكلية، بينما يظل الملك غير المسؤول حسب منطق الدستور هو صاحب الحكم الحقيقي، وسنلاحظ أن الحكم الفردي المخزني ظل يتحكم في اللعبة السياسية وطنيا ومحليا مما سيجعل أي مشاركة في الانتخابات مجرد عبث لا يؤدي إلى أي تغيير طبيعة النظام. لقد ظلت السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ خروج الاستعمار تمارس بنفس الأسلوب، الليبرالية في المظهر الخارجي والطابع المخزني في الجوهر، بل تمت مراجعة دور الدولة لكي ترفع يدها عن أي تدخل لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي بل أطلقت الدولة يدها بدون استشارة شعبية في بيع المرافق العمومية عبر تسليمها للشركات الأجنبية التي أصبحت تسيطر على مختلف المقدرات الاقتصادية للبلاد، بحيث أصبحنا لا نتميز عن الدول المحتلة في شيء. وقد أدت السياسات المالية الانكماشية والمراهنة على الاقتصاد الموجه للخارج إلى تردي الأوضاع الاجتماعية لعموم الجماهير الشعبية عبر تجميد الأجور والتسريحات الجماعية وتسليع الخدمات الاجتماعية كما أصبحت الدولة عاجزة عن التصدي للبطالة والفقر والفساد والرشوة واختلاس المال العام، وذلك نظرا لكونها، بالإضافة إلى مصالح الأطراف المهيمنة على أجهزتها، تفتقد حكوماتها المتعاقبة لصلاحيات دستورية تمكنها من وضع وتنفيذ السياسة العامة مما يؤكد أهمية وضع دستور ديمقراطي كمدخل لكل تغيير حقيقي.فالمجالس التشريعية المزورة والحكومات المنبثقة عنها المتعاقبة ظلت تشرعن لتفويت المقاولات العمومية للشركات متعددة الاستيطان بدون أدنى استشارة مع الشعب الذي مول انشاء هذه المقاولات بواسطة الضرائب المقتطعة منه، كما ظلت هذه المجالس تسطر قوانين تخنق الحريات بدلا من توسيعها كمدونة الشغل وقانون الصحافة ومشروع قانون الإضراب...أما بخصوص تدبير الشؤون المحلية فتسند أمورها لمجالس قروية وبلدية تنتخب في غالبيتها بالتزوير أو باستعمال المال والنفوذ وتدخل سلطات وزارة الداخلية، وتزاول هذه اللمجالس عملها على أساس الزبونية والحزبية الضيقة كأساس للتوظيف والترخيص وتعمل تحت وصاية جامدة السلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية والتي هي سلطات غير منتخبة فتعمل هذه الهيئات على تفويت المرافق الأساسية من ماء وكهرباء ونظافة ونقل حضري في ظروف غير شفافة لشركات أجنبية (ليديك ريضال أمانديس فيوليا سويز...) رغم أن أغلب هذه الشركات معروفة بفضائحها في بلدان أخرى من العالم فتستفرد بالمواطنين لاختلاسهم عبر رفع فواتير خدماتها عدة مرات.كما تغمض الهيئات المنتخبة محليا ووطنيا العين اتجاه تصاعد التسريحات الجماعية للعمال والتي بدأت تتفاقم أكثر مع انفجار الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة وتغمض العين أيضا اتجاه قمع كافة أشكال الاحتجاج (عمال، حاملي الشواهد المعطلين بما فيهم المكفوفين، شباب، مواطنين محتجين ضد الغلاء الفاحش، حالتي مدينتي صفرو وسيدي افني شاهدتين على ذلك ...).ثانيا: الوضع السياسي المحلي وغياب الديمقراطيةان قرار المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها ينطلق من مدى مساهمة المواطنات والمواطنين في اتخاذ القرارالسياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومدى مساهمة هذا الموقف أو ذاك في تطوير نضال الشعب المغربي من أجل التغيير الديمقراطي الجذري ذو الأفق الاشتراكي. التجارب الانتخابية الجماعية السابقة تكرس تهميش مشاركة المواطنين في إتخاذ القرار منذ الانتخابات الجماعية الثانية في سنة 1963 إلى الانتخابات الجماعية الثامنة التي نظمت في سنة 2003 ، دأبت الدولة المخزنية بواسطة وزارتها في الداخلية على استعمال وسائل شتى من بينها تفريخ الأحزاب الرجعية، المبنية على النعرات القبلية والدينية، أو تلك المسماة بذات الجذور القروية، أو المنبثقة من الإدارة ... هذا موازاة مع قمع ومحاصرة الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات الاجتماعية الديمقراطية والتقدمية الوطنية وتدجين كوادرها، إضافة إلى بلقنة الخريطة السياسية ... لتشويه الإرادة الشعبية بهدف الحفاظ على مصالح التكتل الطبقي الحاكم ( ملاكي الأراضي الكبار، والبورجوازية الوكيلة للرأسمال العالمي، والتقنوبيروقراطية المختلسة للمال العام). فمنذ سنة 1963 تم توظيف المؤسسات "المنتخبة" في تشويه الهدف الأسمى للديمقراطية، وهو إشراك المواطنين والمواطنات في تسيير الشأن العام، الشيء الذي جعل الناخبين الذين تزور إرادتهم باستمرار، لا يعطون أية مصداقية لما ينتج عن هذه الانتخابات من مؤسسات. إن ممارسات التزوير المتكررة ضربت في الصميم العمل السياسي الديمقراطي الجاد، المرتبط بهموم المواطنين، وبرزت على الساحة مافيا الانتخابات تعتمد مكوناتها على الاستغلال السياسي للتعدد الثقافي، والاستغلال السياسي للدين، كما يتم استثمار أموال المخدرات في العمليات الانتخابية لمنح الحصانة السياسية للمهربين. هذا ما يؤدي إلى فرز مجالس "منتخبة" ، يسيطر عليها الأعيان وخدام المخزن الانتهازيين، توظف كأدوات شكلية للترويج لديمقراطية الواجهة على المستوى الخارجي وتستغل كمؤسسات إضافية لنهب الملك الجماعي والمال العام وتفقير العالم القروي وتشويه المجال الحضري. إن التراكمات السلبية الناتجة عن الاستبداد بالحكم وطنيا ومحليا أصبح لها انعكاس خطير على المستقبل السياسي للمغرب، بحيث أن الديمقراطية شوهت وأضحت في أنظار الجماهير المهمشة مرادفا للتسلق الطبقي والوصولية ونهب الملك العمومي.غياب الظروف الموضوعية التي تمكن من تنظيم انتخابات جماعية ذات مصداقيةفي وضع اقتصادي أنهك فيه العمل السياسي الجاد، وأصبحت فيه البرامج الحزبية ، إن وجدت، متشابهة، ونظرا لغياب الضمانات الدستورية التي تمكن الأحزاب السياسية من تطبيق برامجها من جهة، ولكون البلاد رهينة في يد المؤسسات المالية الدولية نتيجة للديون المتراكمة على خزينة الدولة والتي لم تستفد منها الجماهير الشعبية من جهة أخرى، وفي وضع سياسي ما يزال فيه المتورطون في الجرائم السياسية والاقتصادية بدون محاسبة أو عقاب، وفي ظل دستور ممنوح يمزج بين السلطات ويضعها في يد واحدة ولا يضمن قيام سلطة قضائية كفئة مستقلة ونزيهة، وفي غياب هيئة مستقلة عن وزارة الداخلية تسهر على العملية الانتخابية ابتداء من وضع لوائح الناخبين إلى إعلان نتائج الاقتراع، ستبقى الانتخابات رغم الوعود والالتزامات المتكررة، محطات للتزوير المنظم، ومرتعا للمضاربين في أصوات الناخبين. كما ستجري الانتخابات الحالية على أساس لوائح مطعون في سلامتها وعلى أساس تقطيع انتخابي مخدوم الذي يهدف إلى محاصرة المد الجماهيري المطالب بالمشاركة الديمقراطية. ف 40 % من الجماعات المحلية لا يتعدى عدد سكانها 7500 نسمة و90 % منها تعجز أحيانا حتى عن أداء أجور موظفيها نظرا لقلة المداخيل بحيث أن الأغلبية الساحقة من ساكنتها تعيش في فقر مدقع بينما يعفى ملاكي الأراضي الكبار من الضريبة الفلاحية. لكن هذا التقسيم التحكمى سيتم الاحتفاظ به بهدف خلق نخب طيعة بيد الإدارة.الميثاق الجماعي يؤكد هيمنة وزارة الداخلية على المجالس الجماعية:بعد مرور 27 سنة على تطبيق قانون 1976 ، وبعد تنظيم 7 ندوات وطنية حول التجربة الجماعية بالمغرب، وبعد الهزات التي حصلت على المستوى الدولي خلال هذه الفترة التي تميزت بتنامي المطالب الملحة للشعب المغربي في الديمقراطية والمشاركة السياسية الحقيقية ، كان المرء ينتظر من الميثاق الجماعي لأكتوبر 2002 أن يوسع من اختصاصات المجالس المنتخبة ويقلص من دور الوصاية لوزارة الداخلية. كما كان من المنتظر أن يتضمن القانون الجديد المقتضيات القانونية التي تضمن مشاركة منظمات المجتمع المدني(الذي تتبجح به كل الخطابات) في تحديد السياسة الاجتماعية والثقافية للمجالس المحلية ، وتمكن المواطنين والمواطنات من نسبة معينة من ديمقراطية المشاركة في مراقبة أشغال المجالس والإطلاع على الحسابات الإدارية ...إعمالا بمقولات "سياسة القرب" و"المفهوم الجديد للسلطة". إن الميثاق الجماعي الذي تتم على أساسه الانتخابات الجماعية ليوم الجمع 12 يونيو 2009 يمركز بيكيفية مباشرة أوغير مباشرة كل الصلاحيات بيد وزارة الداخلية.فوزير الداخلية بالنسبة للجماعات الحضرية والوالي أو العامل بالنسبة للجماعات القروية هو الذي يتوصل بالاستقالة الاختيارية لأعضاء المجلس(المادة 19) كما يصدر قرار الاقالة أو التوقيف في حق كل عضو امتنع - في نظره- عن القيام بواجبه أو ارتكب أفعال مخالفة للقانون أو باخلاقيات المرفق العام (المادتين 20 و21). بل يمكن لوزير الداخلية حل المجلس تماما أو توقيفه في حالة الاستعجال إذا ارتأى الوزير أن مصالح الجماعة مهددة لأسباب تمس حسن التسيير، - دائما من منظور السلطة – وهي صيغ فضفاضة تجعل أي عضو أو مجلس جاد تحت رحمة وزارة الداخلية. وقد تتدخل السلطات المحلية من أجل تغيير وضع سياسي معين كما حدث في قضية اقالة ومحاكمة رئيس المجلس الجماعي لمدينة مكناس بلكورة، أو الحفاظ على وضع سياسي قائم كما حدث في قضية عمر البحراوي بجماعة اليوسفية الرباط رغم الفضائح الثابثة في حقه وقد يستعمل في هذا الاطار حتى القضاء لتحقيق هذه النتائج.كما أن مقررات المجلس الجماعي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا إذا حضيت بموافقة سلطة الوصاية. والمدهش أن الوصاية تشتد أكثر على مدينة الرباط حيث يفقد فيها المجلس والرئيس ما تبقى من أهم الصلاحيات. وهذا ما يجعل من والي ولاية الرباط سلا زمور زعير المسؤول الأول عن كافة الانحرافات التي تحدث بثراب الولاية.بمقتضى المادة 70 تحتفظ وزارة الداخلية بسلطة التدخل السافر في قرارات المجلس بحيث تنص هذه المادة على ما يلي: يمكن للسلطة المكلفة بالمصادقة على المقررات (العامل أو الوالي أو وزير الداخلية) دعوة المجلس الجماعي لإجراء دراسة جديدة بشأن مسألة سبق أن تداول بشأنها إذا ظهر أنه من غير الممكن الموافقة على القرار المتخذ. وإذا تمسك المجلس الجماعي بمقرره ... يبث الوزير الأول في المسألة باقتراح من وزير الداخلية بمرسوم معلل. مما يعني أن القرارات المتخذة من طرف المجلس (ولو في إطار القوانين الجاري بها العمل) لن تنفذ إذا لم ترض بها وزارة الداخلية. هذه البدعة لا يعمل بها في الدول الديمقراطية بل هي خاصية تتصف بها بلادنا. كما أن المادة 77 تخول للسلطة المحلية أن تقوم محل الرئيس في تنفيذ القضايا التي تعتبرها بمثابة "الإضرار بحقوق الأفراد"، بهذه الصيغة الفضفاضة يفتح المجال أمام كل التجاوزات ومختلف أشكال استغلال النفوذ للضغط على الهيئات المنتخبة. وتعطي المادة 59 الأسبقية لممثل الإدارة الترابية عند صياغة جدول الأعمال، حيث تدرج فيه النقط المقترحة من طرف السلطة المحلية بكيفية تلقائية. أما عندما يتقدم عضو من أعضاء المجلس الجماعي بمقترح في جدول الأعمال يمكن رفضه من طرف الرئيس ويخبر بذلك المجلس إبان اجتماعه، لكن ليس للمجلس الحق في مناقشة دوافع الرفض. هذا ما يبين أن الأقلية داخل المجلس، إن كانت جادة، لا يسمح لها بالدفاع عن مقترحاتها فيما يتعلق بوضع جدول الأعمال. وتجعل المادة 61 من ممثل السلطة المحلية عضوا كامل العضوية في اجتماعات المجلس حيث يمكنه وبمبادرة منه (وبدون أن يطلب منه الرئيس ذلك، كما هو الحال في الفصل 17 من قانون 1976 ) أن يدلي بوجهة نظره وملاحظاته حول مداولات المجلس. كما أن المجلس يتداول تلقائيا في اجتماع سري كلما طلبت منه الإدارة الترابية ذلك. الميثاق الجماعي يؤسس لهيمنة الرئيس على المجلس الجماعي ويحافظ على هيمنة وزارة الداخلية:يتراجع الميثاق الجماعي لأكتوبر 2002 عن الفصل 7 من قانون 1976 المتعلق بإمكانية إقالة الرئيس من طرف ثلثي الأعضاء، بعد مرور سنتين على انتخابه. والغريب في الأمر أن جميع الاقتراحات التي عبر عنها المشاركون في المناظرات الوطنية، بخصوص إعادة انتخاب رئيس المجلس الجماعي، والمتضمنة في التقارير التي أنجزتها وزارة الداخلية، لم تأخذ بعين الاعتبار في صياغة الميثاق الجماعي الجديد الذي نص على أن رئيس المجلس الجماعي المنتخب لمدة 6 سنوات لا يمكن إقالته من طرف المجلس الذي انتخبه.إن الإقدام على حذف الفصل 7 والتنصيص في الميثاق الجماعي الجديد على رئيس منتخب مدى حياة المجلس، يجد له تفسيرا من خلال تجربة 30 سنة الماضية والتي بينت أن إقالة الرئيس مرتبط دائما برفض الحساب الإداري. فكلما تعلق الأمر بالمصادقة على الحساب الإداري تتفسخ التكتلات وتتغير موازين القوى بكيفية تلقائية. ومرد ذلك أن جل المجالس مزورة، وأعضائها بعيدون كل البعد عن الالتزام بالبرامج الحزبية ، هاجسهم الدائم هو البحث عن توفير المصالح الشخصية بدل خدمة الصالح العام. هذا ما يجعل الصراع حول رئاسة المجالس تصرف فيها الأموال الباهضة، ويتم في شأنها تهريب المنتخبين وعزلهم عن العالم الخارجي طوال الفترة الممتدة من اليوم الموالي للإقتراع والموعد الذي ينعقد فيه أول اجتماع لانتخاب الرئيس كما حصل في الانتخابات الأخيرة المتعلقة برئاسة الغرف الفلاحية على الخصوص. وبما أن الحساب الإداري من أحد المصادر الممكنة لاسترجاع الأموال الموظفة في الحصول على رئاسة المجالس، فالصراع حول المصادقة أو رفض الحساب الإداري يكون في أوجه، مما يؤدي إلى فضح الاختلاسات المالية، التي تشتكي منها المئات من الجماعات المحلية، على أعمدة وسائل الإعلام المكتوبة. هذا، ما يضر مباشرة بمصداقية وزارة الداخلية بإعتبارها مسؤولة عن تزوير الانتخابات، ومسؤولة عن المصادقة على أمر تنفيذ الميزانية والاعتمادات من طرف رؤساء المجالس. وحتى لا تنفضح اللعبة الجديدة التي يقولون عنها أنها ستكون نزيهة - مثل سابقاتها - تم التخلي عن إمكانية إقالة الرئيس واللجوء إلى سلب المجلس الجماعي من أهم صلاحياته، لأن وزارة الداخلية التي تقدمت بمشروع الميثاق الجماعي والفرق البرلمانية التي صوتت لصالحه بالإجماع لا تبالي بالاستبداد بالقرارات بقدر ما يزعجها فضح الاختلاسات التي تتعرض لها المالية الجماعية والملك الجماعي.إن كل التجارب الانتخابية السابقة عرفت استعمال الأموال في شراء ذمم المنتخبين للحصول على رئاسة لم تدم أكثر من سنتين في العديد من الحالات، فما بالك بما ستعرفه الانتخابات الحالية من استعمال فاحش للأموال للحصول على أغلبية داخل المجالس تمكن من الفوز برئاسة يضمن القانون أنها ستستمر على مدى حياة المجلس الجماعي. وتتجلى بوادر الاستثمار الانتخابي في الصراعات داخل الأحزاب على رئاسة اللوائح، وفي الترحال من حزب إلى آخر لضمان رئاسة المجالس. وبما أن الرئيس يتحكم في وضع القانون الداخلي والحساب الإرادي وتنفيذ الميزانية بعد مصادقة ممثل الإدارة الترابية، ووضع جدول الأعمال ، ويطالب بسرية الجلسات... فيحق له كذلك اعتمادا على المادة 63 الزجرية التي أضافها الميثاق الجماعي الجديد أن يجعل المجلس يقرر، دون مناقشة بأغلبية الأعضاء الحاضرين، طرد كل عضو من أعضاء المجلس"يخل بالنظام ويعرقل المداولات" . وبهذا يبقى المصدر الحقيقي الوحيد للقرار على مستوى الجماعة هو ممثل وزارة الداخلية، بعد أن سلب المجلس الجماعي بأغلبيته وأقليته من صلاحياته الديمقراطية الدنيا في محاسبة الرئيس وإقالته عند الحاجة. وبذلك يبقى الباب مسدودا من الناحية القانونية في وجه كل من يتوهم بإشراك المواطنين في المراقبة الديموقراطية لأشغال المجالس. إن الميثاق الجماعي لأكتوبر 2002 جاء ليقطع الطريق أمام كل من يتوهم بتحويل ديمقراطية محلية شكلية إلى ديمقراطية في مصلحة المواطنين.إن الميثاق الجماعي الجديد يهمش دور المنتخبين في المجالس الجماعية ويعدم دور الناخبين وكافة المواطنات والمواطنين في مراقبة المجالس، هذا ما يجعل من المطالبة بوضع دستور ديمقراطي ، تتفرع عنه جميع القوانين، من المطالب الحد الأدنى في المرحلة الراهنة.تقييم التجربة الجماعية1 – سوء تدبير مالية الجماعات المحلية:يلاحظ من خلال التجارب الجماعية السابقة أن جل المجالس الجماعية تعيش على إيقاع الطعن في ميزانياتها السنوية نتيجة سوء تدبير المالية المحلية، وهذا دليل قاطع على الممارسات المشبوهة والاختلاسات التي تتعرض لها هذه الميزانيات، خاصة فيما يتعلق منها بالجبايات المحلية التي يسهر رؤساء المجالس على استخلاصها، إضافة إلى أن المصاريف المسجلة في هذه الميزانيات تكون في الغالب صورية لا تعكس مصاريف أنجزت بالفعل، ويشهد على ذلك العجز الكبير الذي تعرفه هذه الجماعات في المرافق العمومية المحلية من طرق وتطهير ومدارس ومستشفيات ومناطق خضراء ودور الشباب ومكتبات جماعية... رغم أن موارد الميزانية الجماعية تطورت بوتيرة سنوية تصل إلى 15 % وهي نسبة أعلى مرتين من وتيرة نمو مداخيل الميزانية العامة. والملاحظ في جل التجارب الجماعية السابقة أن أشغال الترميم والترصيف والتجهيز وتنظيف الأزقة والشوارع الخ... لا تتم الا من خلال آخر ميزانية جماعية في آخر ولاية للمجالس كاستثمار في الانتخابات المتوقعة أو في مناسبات استثنائية. كما أن المواطنين يجهلون تماما توزيع ومضمون بنود ميزانية الجماعة المحلية، بحيث لا يتوفرون على أية وسيلة لممارسة الرقابة على كيفية تحصيل الضرائب وصرف النفقات من طرف منتخبيهم.2 – سوء تدبير الممتلكات الجماعية:تعتبر وكالات توزيع الماء والكهرباء ووكالات النقل الحضري ... التي هي تحت وصاية وزارة الداخلية من بين أهم المرافق العمومية المحلية التي أنشأت بواسطة الميزانية العامة لكي تكون في خدمة المواطنات والمواطنين كما تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر على تمويل ميزانيات الجماعات المحلية. لكن بدلا من توسيع مجال هذه الممتلكات الجماعية وتوظيف فائضها في الارتقاء بالمرافق الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بإيصال الماء والكهرباء للجماعات القروية في إطار التضامن، يلاحظ أن الفائض الناتج عن هذه المرافق يحول إلى جهات أخرى على شكل صناديق سوداء تسهر عليها وزارة الداخلية. وقد أدى سوء التدبير بهذه الوكالات الى الافلاس وبالتالي أقدمت وزارة الداخلية على خوصصة أغلبها، وقد صادقت المجالس الجماعية في عدة مدن على هذا التفويت كما حصل بالنسبة لقطاع النقل الحضري وقطاع الماء والكهرباء، في غياب استشارات شعبية حول مدى صلاحية هذه التفويتات. وغالبا ما تحدث مصادمات بين المواطنين المعترضين على هذا النوع من الخوصصة التحكمية من جهة والمجالس الجماعية من جهة أخرى كما حصل في كل من مدن الرباط وسلا وتطوان حيث خرج الآلاف من المواطنين بالأحياء الشعبية المتضررين من انعكاسات ارتفاع فواتير الماء والكهرباء من جراء الخوصصة. فبدل أن تجتمع المجالس الجماعية المعنية للاستماع إلى شكاوي المواطنين، تركتهم عرضة لللقمع والتنكيل والمحاكمات الصورية كما حصل في جماعة يعقوب المنصور بالرباط، بل أن شركات القطاع الخاص للنقل الحضري أخذو ينتفظون على تفويت هذا القطاع للأجانب كما هو الشأن بالنسبة لتفويت هذا القطاع بولاية الرباط لشركة فيوليا.وقد تم تفويت مرافق اجتماعية حيوية أخرى مثل قطاع النظافة وجمع النفايات المنزلية في عدد من المجالس الجماعية بكيفية مشبوهة، حيث استفادت الشركات الخاصة الصورية من جميع آليات الجماعات ومآرب السيارات والعمال الذين ما زالوا يتقاضون أجورهم من ميزانيات الجماعات إضافة إلى عمال الإنعاش الوطني. وهذا إلى جانب ملايين الدراهم التي تدفعها الجماعات لهذه الشركات بمعدل 350 درهم لكل طن من النفايات المنزلية عوض 250 درهم للطن ككلفة عادية للجماعة قبل التفويت.كما أن الرصيف العمومي لم يسلم هو بدوره من موجة التفويت إلى الشركات الأجنبية، بحيث أصبح العديد من السكان والموظفين مجبرون على ايداع سياراتهم في أماكن خارج المدن أو أداء ما معدله 20 درهم يوميا.3 – سوء تدبير الشؤون المحليةإن أبرز ملاحظة على عمل المجالس المحلية الحضرية هو اتساع رقعة مدن الصفيح وأحزمة الفقر التي تعج بالمهمشين من المواطنات والمواطنين الذين دفعتهم ظروفهم القاسية في البادية نتيجة الجفاف والاستغلال وفقدان الأراضي وجشع القرض الفلاحي إلى الهجرة نحو المدن. فقد ساهمت الجماعات المحلية بمختلف الاساليب في انتشار مدن الصفيح على مساحات تقدر بمئات الهكتارات سنويا سواء داخل المدن أو في محيطها. وغير خاف على أحد الظروف التي يعيشها المواطن في هذه المدن من غياب كلي للمرافق الضرورية للحياة الكريمة من قنوات التطهير والماء الشروب والمدارس والمستشفيات ... الخ، الشيء الذي يدفع بالكثير من ساكنتها للتعاطي اضطرارا للانشطة غير المشروعة بمباركة هذه المجالس التي لا يتردد الكثير من مستشاريها في تقاضي الرشاوى واستغلال الشباب المهمش بهذه الأحياء في الحملات الانتخابية. ومن نتائج اتساع رقعة مدن الصفيح سقوط العديد من الشباب المعطل في حبال عصابات المخدرات والهجرة السرية أو التنظيمات الإرهابية الظلامية التي تغرر بهم وتزج بهم في عمليات إجرامية كما حدث في 16 ماي 2003. كما أن من نتائج ذلك مآسي الفيضانلت التي شردت المئات من الأسر بل أدت إلى وفيات بالعشرات، وهو ما يؤكد أن ما يسمى بالتجربة الديموقراطية المحلية مجرد أوهام موجهة للإستهلاك الاعلامي ولاغتناء اللوبيات على حساب أوسع الجماهير الشعبية.أما بالنسبة للمجالس القروية فالمشاكل أكبر وأخطر حيث يعاني الملايين من القرويين من غياب كلي لأبسط المرافق الحيوية كالطرق وتوصيلات قنوات الماء وخطوط الكهرباء وغياب شبه كلي للمدارس والاعداديات والمستشفيات ودور الشباب وانعدام مجالات الشغل مما يؤدي إلى تفاقم حدة الهجرة القروية، بل يعاني المواطن في هذه الجماعات القروية حتى من غياب الخدمات الإدارية البسيطة كالحصول على بطاقة التعريف.نستخلص مما سبق أن مشاكل المواطنين سواء في البادية أو في المدن مصدرها الأساسي هي الطبيعة غير الديموقراطية لتدبير الشأنين العمومي والمحلي. وينتج عن هذا التدبير التحكمي انعدام الشفافية في تسيير شؤون المرافق العمومية وانتشار المحسوبية واختلاس المال العام.ثالثا: ما العمل من أجل التغيير السياسي الجذريإن القبول بالوضع الراهن لن يساهم في تعميق مآسي الشعب المغربي السياسي والاقتصادي والاجتماعي لذلك فإن الخروج من الوضع المتأزم الحالي لن يتأتى سوى بإرساء نظام ديمقراطي في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجهوية على طريق التحرر وإقامة الاشتراكية.لكن بلوغ هذه الغاية لن يتأتى بدون توفر شرطين ضروريين: أولهما بناء تحالفات متينة بين التنظيمات اليسارية والديمقراطية الجذرية بهدف توفير الشروط للتغيير الديمقراطي الجذري ذو الأفق الاشتراكي الذي يهدف إلى وضع حد للاستبداد المخزني والحكم الفردي كأداة لسيطرة للقوى الرجعية والمافيات المخزنية والرأسمالية المتوحشة.ثم ثانيا، العمل على بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة التي بدون انخراطها السياسي الواعي لن يتحقق التغيير ما دامت الطبيعة الانتهازية للبرجوازية الصغرى قد تحرف مسارها في أية لحظة، لذا تبقى الطبقة العاملة هي صاحبة المصلحة في اقامة النظام السياسي والاقتصادي الاشتراكي وهي القادرة على تحويل موازين القوى لصالحها.فأولا لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، إن جميع الدساتير التي عرفها المغرب قد أنجزت من طرف الأجانب استجابة لرغبة ومصالح الحكم المخزني وقاعدته الاجتماعية : ملاكو الأراضي الكبار، والبرجوازية البيروقراطية، والبورجوازية الرأسمالية المرتبطة أساسا بالرأسمال المالي العالمي.وتتلخص أهداف التجربة الدستورية المغربية في نقطتين أساسيتين وهي فرض مشروعية النظام السياسي من جهة وحماية المصالح الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية للتكتل الطبقي السائد من جهة أخرى. من هنا يستمد الدستور الحالي محتواه الرجعي إيديولوجيا، والاستبدادي سياسيا، ولهذه الأسباب، من الضروري إلغاء الدستور الحالي وليس تعديله فقط عبر العمل على توفير الشروط الضرورية لانبثاق هيأة شعبية تأسيسية، تنكب على تهيئ وطرح مشروع دستور، تناقش وتصادق على محتواه وصيغته النهائية، بكل حرية، مختلف فئات الشعب المغربي.أما في المجال الاقتصادي فيجب بلورة منظومة اقتصادية اشتراكية بديلا للنظام الرأسمالي القائم، وذلك لأن الرأسمالية تقوم على مصلحة الأقلية الحاكمة على حساب الأكثرية بينما يتساوى جميع أفراد الشعب في اطار النظام الاشتراكي، ولا يمكن لمثل هذه الطموحات الاشتراكية أن تتحقق بدون توفر الشروط التالية:* الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، لأنه لا يمكن القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بدون القضاء على احتكار وسائل الإنتاج من طرف الأقلية على حساب الأغلبية؛* مساهمة المنتجين في تحديد نوعية المنتوج الذي يلبي الحاجيات الأساسية لعموم الجماهير الشعبية وذلك في إطار اقتصاد وطني متكامل يأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطنين ومعطيات مختلف الجهات ومميزاتها؛* تحكم المنتجين وهم العمال والفلاحين في عملية الإنتاج بما يضمن ترشيد الطاقات الإنتاجية والتوزيع العادل للمنتوج.* الإصلاح الزراعي : إن رسم سياسة فلاحية يجب أن تسهدف بالأساس تلبية الحاجيات الأساسية للسكان بما يضمن الأمن الغذائي والحفاظ على الثروات الطبيعية والمحيط البيئي والتنمية المتوازنة لمختلف المناطق. لذا يجب القيام بإصلاح زراعي يرتكز على المحاور التالية: - تحديد مساحة الملكية الفردية للأرض (حسب أراضي البور، والأراضي المسقية)، ونزع الأراضي من الملاكين الكبار، الذين لا يساهمون مباشرة في عملية التسيير والإنتاج، وإعادة توزيعها على الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين والعاطلين حاملي الشهادات الفلاحية في إطار تعاونيات؛-فتح تحقيق حول أراضي الجموع وأراضي الحبوس وأراضي الكيش والأملاك المخزنية والضيعات التي استولى عليها المعمرون الأجانب وفوتت للمعمرين الجدد المغاربة في ظروف غامضة، وتسليم هذه الأراضي للفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين، في إطار تعاونيات عصرية مبنية على أسس التدبير العقلاني للموارد الطبيعية، والحفاظ على البيئة وضمان الاكتفاء الذاتي؛- استرجاع الموارد المائية التي اغتصبت من الفلاحين الفقراء من طرف المافيا المخزنية عن طريق "سياسة السدود"؛- شق الطرق في البادية وصيانة الموجودة منها وكهربة القرى وتزويدها بالماء الشروب وكل المرافق الصحية والإجتماعية الضرورية لتحسين شروط الحياة والعمران بالبادية؛- إعادة هيكلة مؤسسات القرض الفلاحي لتكون في خدمة الفلاحين الفقراء على الخصوص ولتستخدم أموالها في تطوير البنيات التحتية الأساسية (حفر وتجهيز الآبار، مد قنوات الري الصغير والمتوسط...)* بناء صناعة وطنية قوية تقوم على:- تلبية حاجيات المواطنين الأساسية؛- ضمان الاستقلال الوطني اتجاه الاحتكارات الأجنبية؛- الاعتماد بالأساس على المواد الأولية الوطنية؛- الاعتماد على الطاقات البشرية الوطنية.ولتحقيق هذه الأهداف يبقى من الضروري تأميم القطاعات الاستراتيجية (الطاقة والمعادن، المواصلات، الصيد البحري، المؤسسات المالية، التأمين، النقل العمومي …) ووضع حد لمسلسل الخوصصة، ومساءلة المسؤولين عن نهب المال العام وتفويت الممتلكات العمومية لذوي النفوذ والشركات متعددة الإستيطان في ظروف وشروط لا تخدم مصلحة الوطن.وحتى لا تبقى الوحدات الاقتصادية العمومية عرضة للتسيب والاغتناء اللامشروع، فيجب ضمان مراقبة المنتجين المباشرين وممثلي الشعب لعملية التمويل والتسيير والتدبير والتسويق.* مراقبة القطاع الخدماتي المرتبط أساسا بعملية التوزيع والتسويق وإلغاء الأنشطة التي تعتمدها بعض الفئات الطفيلية للاستحواذ على جزء هام من فائض القيمة التي تنتجها الصناعة والفلاحة.* التقليص من المديونيتين الداخلية والخارجية : أصبح تسديد الديون العمومية عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة (حوالي الثلث من نفقاتها)، حيث أغرق الحكم بلادنا في مستنقعات يصعب الخروج منها، وربط مصير الشعب بجهات أجنبية. هذه الجهات التي أصبحت تتحكم في السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال منح القروض وإعادة جدولة الديون وذلك بدفع الدولة إلى تخفيض ميزانيات القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والشغل، وفرض مدونة شغل تراجعية تخدم مصالح الباطرونا على حساب مصالح العمال، وتفويت القطاعات الاستراتيجية للشركات الأجنبية ...المطروح اليوم هو تشكيل لجنة مستقلة عن الدولة للتحقيق في مصير الإقتراضات الخارجية، لأنه لا يعقل أن يسدد الشعب المغربي ديونا أضعافا مضاعفة لم يستفد منها ولم يوافق عليها. ولتمويل المشاريع التنموية التي تخدم مصالح الشعب المغربي الأساسية، يجب استرجاع الأموال التي تم نهبها وتخفيض ميزانيات إدارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية وتخفيض أجور كبار موظفي الدولة من وزراء ومدراء الإدارات والمقاولات العمومية وتقليص تعويضات البرلمانيين، وفرض ضريبة على الثروة والمداخل الكبرى، ومحاربة الغش الضريبي والزيادة في الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للأصناف الكمالية (السيارات الفخمة، المجوهرات، الكحول المستورد…).على المستوى الاجتماعي لا يمكن لبلادنا أن تتقدم بدون القضاء على الأمية والفكر المتخلف والبطالة، والأمراض الفتاكة، والسكن غير اللائق، وعلى مختلف المآسي الاجتماعية (أطفال الشوارع، الدعارة، التسول، المخدرات، السرقة، الإجرام…).فالقضاء على هذه المآسي لن يتم بالقمع أو بالوعظ والإرشاد أو بتوزيع الصدقات الموسمية، لأنها نتاج للاضطهاد السياسي وللحرمان الاقتصادي ولسياسات تعليمية وثقافية تشجع التخلف وتناهض الفكر التقدمي والنقدي والبحث العلمي. إن السياسة المتبعة منذ عقود في مجال التعليم بمختلف أسلاكه برهنت على فشل النمط السياسي والإقتصادي المتبع ببلادنا. وفي الوقت الذي تضرب فيه الأمية الأبجدية والتقنية أطنابها في جميع مناطق البلاد، يتم رمي مئات الآلاف من الشباب حاملي الشهادات في مجاهل البطالة والفقر، حيث أضحت كل واحدة من الأسر المغربية تضم فردا أو أفرادا من ضحايا بطالة خريجي الجامعات. ولمحاولة الدولة التنصل من مسؤولياتها الجسيمة اتجاه المواطنين في مجالات التعليم والتكوين والبحث العلمي، روجت لشعارات زائفة تدعي عدم تلبية المنظومة التعليمية لمتطلبات سوق الشغل، بهدف تمرير السياسات المفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية في هذا المجال، حيث جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي (أسسه الولاء والخنوع) يستهدف اقامة تعليم تبعي (أساسه تلبية حاجيات الرأسمالية في مرحلة العولمة في يد عاملة طيعة ومحدودة التكوين)، ويعمق التبعية في مجال اكتساب الخبرة وانتاج التكنولوجيا ... كما يكرس عدم المساواة بين أطفال الطبقات الشعبية وأطفال الطبقات الميسورة (تشجيع التعليم الخاص، ضرب مجانيـة التعليم …) اضافة إلى الحيف الذي تعاني منه اللغة الوطنية الأمازيغية.أما فيما يتعلق بالسكن فإن تشييد القصور والفيلات الفخمة والمسابح الخاصة … تعد اليوم تحد وإهانة لملايين المغاربة المكدسين في الأحياء الصفيحية والمشردين في شوارع المدن الكبرى والتائهين بدون مأوى … ولا أدل على ذلك من انتشار أحزمة الفقر التي تحيط بكافة مدننا المغربية. فالنمو الديموغرافي السريع والهجرة القروية المتزايدة يجعلان من السكن مشكلا خطيرا يفتح الباب على مصراعيه للمضاربة العقارية ويجد لها ميدانا أساسيا للنهب وامتصاص الأجور الهزيلة للكادحين، لذا فإن منظور النهج الديموقراطي في مجال السكن الإجتماعي يتمحور حول النقاط التالية:- القضاء على المضاربة العقارية؛- القضاء على مدن الصفيح والسكن العشوائي؛- وضع سياسة للإسكان توفر دورا لائقة للسكن بكراء لا يتجاوز خمس دخل الكادحين أو حيازتها بأقساط لا تتجاوز الربع من مداخلهم، وتوفير قروض طويلة الأمد لذلك بفوائد لا تتجاوز 5 % ؛- تطوير أساليب ومواد البناء ضعيفة التكلفة تعتمد على مواد وأساليب البناء المحلية، خاصة في العالم القروي.أما بالنسبة للتشغيل فإن السياسات المتبعة في بلادنا منذ أكثر من عقدين من الزمن تنبني على تقليص كتلة الأجور والتخلص من القطاع العمومي وتجميد التوظيف في هذا القطاع والإعتماد في المقابل على الإستثمار الخارجي الذي لا يأتي لخلق فرص شغل جديدة وإنما للاستحواذ على هياكل اقتصادية عمومية مربحة يعمد فيها الى تسريح اليد العاملة تحت يافطة "ترشيد الموارد البشرية" وتحويل الفوائض المالية الوطنية الى الخارج. كما أن الطبيعة الطفيلية للباطرونا المغربية يجعلها غير مؤهلة طبيعيا لتوسيع السوق الداخلية وامتصاص معدلات البطالة الهائلة رغم الإمتيازات المستمرة التي تمنحها الدولة لهذه الباطرونا على شكل الإعفاءات الجبائية وعن طريق التسهيلات في التزويد بالطاقة ومنح الأراضي المجهزة والإعفاء من أقساط وافرة من مستحقات الضمان الإجتماعي ... كما أن الفصل 288 من القانون الجنائي والمرسوم المتعلق بالحق النقابي للموظفين وظهير 1938 المتعلق بنظام السخرة هي أدوات لتكريس انعدام استقرار العمل مما يجعل الطبقة العاملة المغربية تعاني منذ عقود من التسريحات الجماعية والاغلاق اللاقانوني للوحدات الصناعية ومن التضييق على الحريات النقابية.ولا يسعنا هنا سوى ادانة السياسة المتبعة الرامية الى تكريس هشاشة الشغل والبطالة المقنعة ووضع آفاق مجهولة أمام الشباب المغربي الذي يكون الغالبية العظمى للثلاثين مليون من المغاربة.فكم عدد المغاربة الذين يموتون غرقا في البحر هاربين من الجحيم الإجتماعي؟ وما معنى المواطنة في غياب الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؟ضرورة اعتماد خطة مستعجلة لتوقيف التدهور الحاصل تتمحور حول النقاط التالية:- وضع مدونة للشغل ديموقراطية وعصرية تعتمد على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان خاصة منها العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والاتفاقيات الصادرة عن المنظمة الدولية للشغل؛- إنشاء صندوق للحماية ضد البطالة وتوفير التغطية الصحية المجانية لضحايا البطالة؛- تقليص أسبوع العمل في 40 ساعة بالنسبة للطبقة العاملة في الميدان الصناعي والفلاحي؛- تقنين العمل بالساعات الإضافية بالمؤسسات الخاصة وفرض نسبة مأوية من المكونين والمؤطرين المرسمين بالتعليم الخصوصي ؛- وضع مقاييس شفافة ومراقبة للتوظيف في الإدارات العمومية وشبه العمومية والجماعات المحلية، ومحاربة ظاهرة ما يسمى بالموظفين الأشباح؛- الرفع من الحد الأدنى للأجور وتوحيده وتطبيق السلم المتحرك للأجور؛- إلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تضيق على الحريات النقابية وممارسة حق الإضراب وعلى رأسها الفصل 288 المشئوم من القانون الجنائي؛- الغاء جميع المتابعات القضائية ضد المناضلين النقابيين، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، وارجاعهم إلى عملهم؛- الإعتراف للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب بحقها الطبيعي في الشرعية القانونية؛- توفير فرص الشغل لحاملي الشهادات المعطلين مع إيلاء عناية خاصة لذوي الحالات الخاصة مثل المكفوفين والمعاقين بصفة عامة.بالنسبة للجانب الثقافي تطرح ضرورة توفير الإمكانيات اللازمة لإعادة الاعتبار لمختلف مكونات الثقافة الشعبية، وتحريرها من الطابع الفلكلوري الذي فرضته سياسة الدولة؛ ضرورة توفير الشروط اللازمة لتحرير الطاقات الخلاقة للمبدعين : بناء مسارح ودور الثقافة، وتشييد مكتبات عمومية، تشجيع المبدعين بشكل عام والشباب منهم بشكل خاص، رفع قيود الرقابة ووصاية الدولة …؛- تشجيع كل ما هو إنساني، تقدمي وتحرري في مجال الإبداع؛- فتح الإعلام العمومي أمام الثقافة الأمازيغية للتعريف بها وتشجيع المبدعين الأمازيغيين والتعريف بانتاجاتهم.- تخصيص حصص داخل المؤسسات التعليمية للمسألة الثقافية يمكن أن يختلف جزء من محتواها من جهة إلى أخرى.- خلق فضاءات ملائمة بالأحياء الشعبية وبالدواوير لتشجيع الإبداع، وتعميق المعرفة الثقافية …أما بالنسبة للحريات الأساسية فمن بين المطالب الأساسية للتغيير الديموقراطي الجذري:- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين القدماء والجدد من أمثال معتقلي سيدي افني وطلبة مراكش؛- إطلاق سراح المختطفين الذين لا يزالون على قيد الحياة، وتسليم رفات المتوفين منهم والوثائق الإدارية الضرورية لذويهم؛- مساءلة المسؤولين عن مختلف الجرائم السياسية منها والاقتصادية على أساس مبدأ عدم الإفلات من العقاب؛- حل جميع الأجهزة المتورطة في هذه الجرائم؛- فتح مفاوضات رسمية وعلنية مع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي يمثل الضحايا، حول الإجراءات والحلول التي يطرحها؛- إلغاء جميع القوانين التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
0 Response to "لماذا مقاطعة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009"
إرسال تعليق