بقلم : ذ .حسن المعنقش
أضحت المسألة النسوية اليوم من المسائل الحساسة في المجـال الاجتماعي والسياسي، بحيث احتلت ـ في بعض الأحيان ـ محور الصراع بين التيارات و الحساسيات السياسية المختلفة في المغرب. وهو أمر طبيعي نظرا لأن أمور الأسرة ليست من العادات المحضة، بل هي من العادات التي يوجد فيها التعبد، ولذلك بعد أن يقرر الشاطبي رحمه الله القاعدة: « الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني و أصل العادات الالتفات إلى المعاني»1 يقول رحمه الله :« فإذا تقرر هذا وأن الغالب في العادات الالتفات إلى المعاني، فإذا وجد التعبد فلا بد من التسليم والوقوف مع المنصوص»2. ويقدم أمثلة من قضايا الزواج والطلاق كطلب الصداق في النكاح... وعدد الأشهر في العدد الطلاقية و الوفوية، و الشروط المعتبرة في النكاح من الولي والصداق... و نظرا لهذا الارتباط بالجانب التعبدي في الإسلام، فإنه يستحيل، في العالم الإسلامي، أن تثار المسألة النسوية دون أن يثار الإسلام. يزيد الأمر وضوحا ارتباط الإسلام منذ ظهوره بالمرأة بشكل من الأشكال. ففي مراحله الأولى مثلا كانت المرأة السباقة إلى الإيمان به قبل الرجل. يقول ابن إسحاق عن خديجة رضي الله عنها بأنها: « أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه و سلم لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحـزنه ذلك، إلا فـرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبتـه و تخفف عليه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس »3 وكانت المرأة أيضا السباقة إلى الشهادة من أجله (سمية بنت خباط رضي الله عنها). وكانت الحاثة لأبنائها على الموت في سبيله (الخنساء رضي الله عنها)... إلخ إن الكتاب الذي أتحدث عنه اليوم هو لامرأة ناضلت في صفوف اليسار، وتحديدا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وذاقت مرارة السجن والاعتقال كما تنبئ بذلك صفحة الإهداء في كتابها. إنه حول « موقع النسائي في الاتحاد الاشتراكي» و هو موضوع قل جدا التطرق إليه، إذا استثنينا بعض أبحاث ذ.رقية المصدق ومقالات في بعض الجرائد اليسارية خاصة، في مناسبات خاصة كمناسبة 08 مارس. ولقد سبق للسيدة مليكة طيطان أن نشرت بعض ما جاء في كتابها خاصة تحت عنوان « حال القطاع النسائي و الأممية الاشتراكيـة» ( ص 52 فما بعدها) في عـدد من أعداد جريـدة المستقبـل 4، ومناقشة موضوع ما سمي بخطة إدماج المرأة في التنمية آنذاك تعرف أوجها، ويومئذ تساءلت عن عدم انخراط السيدةـ وهي اتحادية ـ في معركة الخطة، وتفردها بالكلام عن «الاتحاد الاشتراكي وتناقضات القطاع النسائي». فهل تفسير ذلك في كلام الأستاذة: «... في نفس السياق تبرز قضية المرأة من خلال جدول أعمال حكومي إسمه خطة إدماج المرأة في التنمية شغلت البلاد و العباد، ولأن ثمة إكراهات أساسية في غرفة الإنعاش تستدعي قرارات وما يلزمها تنفيذ فوري وضعت الحكومة ملفها في قاعة الانتظار» ( ص 68) ؟ و من المعروف أن اليسار المغربي يتهم غيره ـ خاصة الحركة الإسلامية ـ بتهميش النسائي بل تحقيره. لكن الكتاب يوضح، من خلال دراسة مجموعة وثائق، أن نصيب النسائي من الاهتمام داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مثـلا غير نابع من قيم الحداثة والديمقراطية وما أشبههما، بل هو خاضع للمناسبات، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالانتخابات!! ولعل العنوان الذي وضع للكتاب في البداية، كما ذكرت ذلك جريدة « المستقل5، يبين «فظاعة» ذلك النوع من الاهتمام. وهذا ـ في نظري ـ أفضل توجيه لمن قالت مرة أن الحركات الإسلامية « تعتبر المرأة مساوية للرجل في صفاتها الإنسانية، لكن عليها أن تكون تابعة له في الميادين السياسية والاجتماعية »6أقول: ما سبق أفضل توجيه لمن قالت ذلك « للنظر إلى حدبتها قبل أن تنظر إلى حدبة غيرها» حتى لا يصدق عليها المثل: « رمتني بدائها وانسلت»! وقيمة الكتاب تأتي أيضا من كون صاحبته تتكلم انطلاقا من تجربة انتماء سابقة ( كانت الكاتبة الإقليمية للقطاع النسائي الاتحادي بمراكش سابقا). والمتتبعون في حاجة إلى مثل هذه الكتابات الصادرة عمن يملك تلك التجربة كصاحبة الكتاب، كما أنهم في حاجة أيضا إلى معرفة موقع المرأة ـ الحقيقي ـ لدى اليسار، على مستوى المعاملات الخاصة بين الرجل والمرأة، أو على مستوى الشأن العام ( الشأن السياسي مثلا). وحسبما جاء في الكتاب، يستطيع المرء أن يجزم أن تعامل مجموعة كبيرة من اليساريين مع المرأة هو تعامل لا يرى فيها، أي في المرأة، سوى مجال لإفراغ المكبوت النفسي، أو ـ على أحسن تقديرـ جسم تابع للرجل، كما في إشارتها إلى الحريم الحزبي، وكما في قولها: « والمناسبة تقودني إلى إدراج مثال ملموس يقربنا من هذه المفارقة الغريبة، يتمثل في موقف وسلوك رجال قانون ومثقفين، وكذلك فاعلين حزبيين ونقابيين إزاء النساء في أسرهم أو حزبهم أو نقابتهم أو جمعيتهم، وبشكل عام إزاء المرأة التي يرون فيها تلك الراغبة أو الطامحة إلى الخروج مـن الطوق، لهـذه الأسباب تكون المكبوتات النفسية والتي أضفتعليها التجارب الإنسانية والعادات والموروث الثقافي عموما...» (ص 45) والموضوع يغري بإشارة السؤال حول مدى قدرة الأحزاب التي تـدعي «الحـداثة» و« التقدمية» و« االديمقراطية»... على تربية مناضليها على تغيير تصورهم ـ الذي من المرجح أن يكون منحطا ـ لعلاقتهم بالمرأة عموما، وبالمناضلة رفيقة الدرب خصوصا. وعودة إلى موضوع الكتاب، كي نقول أن الأستاذة مليكة طيطان انطلقت في معالجة موضوع كتابها من طرح مجموعة من الأسئلة تتعلق بالقطاع النسوي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، فتتساءل: « إلى أي حد يمكن ملامسة المسار التاريخي لهذا القطاع؟ هل إطاره ومنهجه و تصوره للواقع يكون انطلاقا من اعتبارات وقناعات الحزب الحاضن؟ هل استطاع الحزب ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) وبالتالي القطاع النسائي الالتزام بتبني المطالب النسائية والنضال من أجلها؟ هل استطاع القطاع النسائي الاتحادي الالتزام بتطبيق منطق الحزب وإيديولوجيته ؟ بمعنى هل المبادرة خاضعة لوحدة التصور الحزبي العام؟ في نفس الآن، هـل تمكن من التجرد في آلياته و أدواته التنظيمية والتطبيقية بعيدا عنعلاقة يمكن أن أصفها تجاوزا بعلاقة حريم الحزب؟ وهل الذات حاضرة عند ممارسة الفعل الحزبي وطنيا وإقليميا...» (ص 08) ومن أجـل « إزاحـة ستار عن واقع تنظيم نسائي لحزب يقـود اليـوم7حكـومة تغييـر» (ص 07)، عمدت الكاتبة إلى استقراء واقع القطاع الحالي واستنطاق مجموعة من الوثائق الصادرة عن الحزب في أهم المنعطفات التاريخية التي مر بها. فكان استنطاق الكاتبة للاختيار الثوري، ولقرارات 30 يوليوز 1972، والتقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي (1975)، ووثيقة الندوة الوطنية للنسـاء الاتحاديات ( الرباط 23/24 أبريل 1977)، وكراسة الندوة الوطنية للنساء الاتحاديات ( ربيع 1992)، ثم الندوة الدولية حول المرأة والفضاء العام، وهي ندوة للقطاع النسائي الاتحادي ( من 10إلى 12 أبريل 1997). انطلاقا من تلك الوثائق، لاحظت الكاتبة أن السياسة عموما والحزبية خصوصا انطلقت « ذكورية وبامتياز » (ص 14)، إذ غابت المرأة من اهتمامات النخبة السياسية المغربية منذ الاستقلال، ولما تأسست الجامعات المتحدة وبعدها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من طرف « النخبة السياسية المتنورة داخل حزب الاستقلال» (ص 14) أشارت وثيقة « الاختيار الثوري»« التي تعد المرجع الإيديولوجي الأول لحزب القوات الشعبية» (ص 14) إلى قاعدته الجماهيرية دون ذكر « النساءكقوة تنضاف إلى القوات الشعبية، تنفرد بخصوصيات، بشروط، بمطالب » ( ص 15). الإشارة الوحيدة إلى النساء جاءت موجهة إلى تأسيس منظمة نسائية جماهيرية، لا قطاعا حزبيا نسائيا، تساعد الحزب على « اكتشاف الإطارات النسوية، وعلى تعميق الوعي الثوري لدى الفتيات والنساء اللواتي يشكلن إحدى الدعامتين لبناء المجتمع الجديد»، والنص من الاختيار الثوري، كما في الكتاب (ص 16).ولما ظهر المشكل بين النقابة والحزب آنذاك، انفردت النقابة بالاهتمام بأوضاع المرأة، حيـث ظهـر« أول تنظيم نسائي بالمغرب وهو: الاتحاد التقدمي لنساء المغرب» ( ص 17). نفس الانطلاقة الذكورية للاتحاد الوطني عرفها أيضا الاتحاد الاشتراكي إثر قرارات 30 يوليوز 1972. « فالقرارات التي تمخضت على الجمع همت مثلا الشبيبة الاتحادية بل كل الفئات في حين غابت النساء عن محور الاهتمام» (ص 20). ثم إن « اللبنة الأولى لإعادة بناء الحزب» (ص21) ـ أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية و الأعضاء المنتقين إثر تلك القرارات ـ تقـول الكاتبة بأن كل هؤلاء لم تكن بينهم امرأة واحدة ! أما التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي للحزب ( يناير 1975)، فقـد اقتصر ـ حسـب الكاتبة، وذلك حين ذكر قاعدة الحزب الذي أصبح « الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» ـ « على الجمع المذكر دون الإشارة إلى المؤنث» ( ص 25) نفس الإهمال نجده في كلمة التقديم التي ألقاها عمر بنجلون والتي ذكر فيها طموحات العمال والفلاحين والحرفيين دون طموحات النساء. في هذه المرحلة، كان تصور الحزب للمسألة النسائية تصورا شموليا يوضحه ما جاء في « التقرير النسوي » ـ من وثائق المؤتمر الاستثنائي ، من « أن المعركة التي تخوضها المرأة في سبيل تحريرها هي جزء لا يتجزأ من معـركة الشعـب بأكمله التي تهدف إلى تحقيق مكتسبات اقتصادية وسياسية و اجتماعية» ( ص 27). وقد استمر عجز الحزب عن خلق تنظيم نسائي متميز، في الوقت الذي استطاعـت فيـه تنظيمات « خارج إطار الشرعية القانونية » تفعيل المسألة النسائية. وتقدم الكاتبة مجموعة ملاحظات على التقرير النسوي السابق منها: ۱- اعتبار قضية المرأة مندرجة « في إطار صراع ثانوي، وأن الصـراع الأساسي هو صراع طبقي، أي بين الحزب وبين الرجعية» ( ص 28)؛ ۲- حضور نسبي للمرجعية الإيديولوجية في الوثيقة، في سياق الحرب الباردة آنذاك؛ ٣- اعتبار الوثيقة وضعية المرأة المغربية في تطور، مع أن « الحقيقة هي تدجينها كما الرجل خصوصا في المدن الصناعية الكبرى...» (ص 29)؛ ٤- إشراك المرأة في أعمال ذات طابع اجتماعي إحساني، وإقصاؤها من جميع المبادرات (أول حكومة ائتلاف وطني، المجلس الوطني الاستشاري). وعدا ذلك، فالوثيقة غلبت ماهو قانوني متعلق بوضعية المرأة على غيره، وخاصة على ماهو إيديولوجي، عندما اختصرت المسألة النسائية « في الدين، ومن الدين تظهر مدونة الأحوال الشخصية انطلاقا من بسط لبعض مظاهر الإجحاف الذي تحمله المدونة للنساء، هذا وتستعرض نفس الوثيقة وبشكل مختصر مظاهر أخرى في حق النساء بالنسبة للقوانين التالية: التجاري، الشغل، الجنائـي، الوظيفة العمـومية...» (ص 45). فهل بتغيير هذه القوانين مثلا ستتغير وضعية المرأة نحو الأفضل ؟ تجيب الكاتبة: « سوف لـن تتغير طبعا بتغيير هذه القوانين» ( ص45). وتعتبر الوثيقة مجالات تستغل فيها المرأة في عمل غير واضح أو خدمات منزلية عملا و« قطاعات أساسية»، مع أن لمفهوم العمل شروطا معروفة. هذا الموقف جعل الكاتبة تقول عنه: « هذه ضبابية لا أدريكيف تحملها وثيقة خرجت من رحم التقرير الإيديولوجي» (ص 31)، والذي، حسب رأيها، « تعرض بالفعـل إلـى البتر، إلـى الزيادة» ( ص 34) لأن « الجسـم فيما بعد يحتاج إلى قميص على المقاس» (ص 34)، والوثيقة ( التقرير النسوي) « لم تخرج عن هذا الإطار» (ص 34). وبعد المؤتمر الاستثنائي لم يهتم الحزب بخلق تنظيم نسائي على الرغم من وجود فضاءات تتيح ذلك مثل الحقل التعليمي، والذي كان نصيب الحزب من « الزاد الطلابي » فيه وافرا. هـذا الحقـل استثمـرته « التنظيمات اليسارية التي تفعل خارج إطار الشرعية القانونية، ولأول مرة يعيش المغرب حدث الاعتقال السياسي النسائي» ( ص 36) في الوسط الطلابي. عقدت الندوة الوطنية للنساء الاتحاديات ( الرباط 23/24 أبريل 1977) والخطاب الحزبي للاتحاد الاشتراكي لازال يغيب المسألة النسوية، باستثناء بعض المبادرات المرتبطة بالانتخابات. فالحزب لـم يتمكن « من وسائل الهيمنة الإيديولوجية للمسألة»( ص 39)، و بالتالي لم يستثمر « الزخم النسائي تنظيميا». وفي نفس الوقت برز خطاب نسائي ـ في إطار المجتمع المدني أو بعض التنظيمات اليسارية المذكـورة أعلاه ـ « يعكس مطالب وخصوصيات الجماهير النسائية» ( ص 39)، فبرز اتحاد العمل النسائي بشبه استقلالية وبصحافة مميزة. أما حزب الاتحاد الاشتراكي، فقد رجح العامل الانتخابي على العامل الإيديولوجي. وفي هذا الإطار كان الاهتمام، في هذه المرحلة، بخلق قطاع نسائي جنيني في محور (الرباط ـ البيضاء) وضمن قريبات المناضلين، حتى أنه يمكن القول أن « كل الأسماء النسائية التي أفرزتها تشكيلة اللجنة المركزية في المؤتمر الوطني الرابع 84 وكذا المؤتمر الخامس89، تستمـد كينونتها الحزبية انطـلاقا من موقـع ومكانـة الرجل ( زوج، أخ، أب، قريب...) » (ص 41). فهل يمكن الكلام هنا عن علاقة يمكن نعتها « تجاوزا بعلاقة حريم الحزب» ؟ ( ص 08) كما قالت الكاتبة ؟ مهما يكن، فإن الندوة الوطنية للقطاع النسائي الاتحادي ( ربيع 1992 ) أفرزت كتابة وطنية ولجنة تنسيق وطنية للقطاع، وكان دافع الحزب للاهتمام بالنسائي بهذا الشكل أمـران: أحدهما عولمة المسألة النسائية، والثاني تبني الحزب لخيار النضال الديمقراطي ـ وضمنه الانتخابات ـ وطموحه إلى احتضان القضية النسائية وتفعيلها. وقد استمر تصور الحزب للمسألة شمـوليا ـ كما عكست ذلك كراسة النـدوة ـ رابطا لها، أي المسـألة، بغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يعرض المرأة لعبودية « مزدوجة باسم الدين، العادات، التقاليد والموروث الثقافي عموما» ( ص 49)، مع الإشارة إلى خصوصية المسألة مصدرها غياب رؤية واضحـة لدى الحـزب إزاء المـرأة والـوقوع في التعميم والانتظارية. وهذا لم يمنع الكاتبة من أن تسجل « تطورا ملموسا من حيث التحليل ووضع تصور نظري للظاهرة النسائية كقضيـة حقوق إنسـان وكإشكالية في علاقتها بالسؤال السياسي وبالتالي القرار السياسي، وفي هذه الخانة يحضر الحزبي طبعا» (ص49). وهذا التطور تزامن مع تطلع قادة الحزب إلى أفق سياسي جديد وبتحالف مع أحزاب أخرى. و تقارن الكاتبة بين وضع المرأة في الأممية الاشتراكية، والتي أسندت نيابة رئاستها لمغربية من الحزب، متسائلة في البداية: « هل بالفعل يتعامل ـ أي الحزب ـ مع الإجراءات التي آمنت بها الأممية بنفس الشروط ... بنفس الإمكانيات ؟ » ( ص 53). وتخلص إلى أن الأممية الاشتراكية « تطرح القضية النسائية كضرورة تستوجبها أخلاقياتها ومبادئها» (ص 54). فتقول الكاتبة: « ولأول مرة يدرج خطاب الضفة الأخرى داخل القطاع النسائي الاتحادي، فتلقن محصلة نساء ينتمين إلى مؤسسة صاغتها شروط ذاتية وأخرى موضوعية تاريخية مخالفة ومتباينة تماما... وباعتماد نفس التقنية تنساق قيادة القطاع النسائي الاتحادي لكي تحاكي وتزيح إكراهات أساسية، وتكتفي باستغلالها كتأثيث لكلام وإعادة كلام حينما تستدعي الظرفية ذلك. وكنتيجة يظل التنظيم العميق اللائق لها فقيرا إن لم أقل منعدما، حيث الاقتصار على البكاء وذكر تلك الآفات المتمثلة مثلا في تأنيث الفقر والأمية، أو ما يجحف المرأة بشكل عام » ( ص 54). هذا الفقر التنظيري في المسألة النسائية لدى الحزب يدفع « بحليمة أن تعود لعادتها القديمة»: عادة حصر الخطاب الحزبي ـ حتى وهو يتعامل مع المسألة المذكورة في « ندوة دولية حول المرأة والفضاء العام» (من 10 إلى 12 أبريل 1997) ـ في الانتخابي فقط ! وحتى في هذا الجانب تتساءل الكاتبة: « هل أتيح لقرار اللجنة المركزية قبيل الانتخابات الجماعية والتشريعية فرصة التطبيق حين تم الاتفاق على تخصيص نسبة للنساء تتراوح ما بين 10 إلى 20 % من الدوائر الانتخابية ؟ ألم تكن جل النساء إن لم أقل الكل المرشحات في الانتخابات الجمـاعية والتشـريعية بمثـابة قطع غيار الغـرض منها تغطية الدوائر المرفوضة من طرف الرجال ؟» ( ص 57). ومع اقتراب موعد المؤتمر السادس للحزب، يستمـر الاهتمـام بالنسـائي من أجـل ما هو انتخابي، ويستمر تغييب المرجعية الإيديولوجية للحزب. وعلى الرغم من نجاحه في استقطاب شرائح اجتماعية متعددة، فإنه فشل في «استقطاب زاد نسائي متميز ومجرد في آلياته وأدواته العملية بعيدا عن أمر يخرج من جبة الرجل» ( ص 60). وترى الكاتبة أن الحزب أصبح « ناديا مشيدا في برج عاجي لتكوين وتأطير نخبة رجالية وأخرى نسائية فشبابية لا علاقة لها بهموم ومشاغل الطبقة الشعبية الواسعة والعريضة» ( 60). هذه النخبة، سواء كانت رجالية أم نسائية، أصبحت الآن تعيد إنتاج الخطاب الرسمي. ولا يقتصر الأمر على نخبة الحزب، بل كل النخبة النسائية « سواء في الاتحاد الاشتراكي أو بعضهن محسوبات على الصف الديمقراطي أو أخريات احترفن الثقافة وخضن معركة بسط المسألة النسائية» ( ص63). ما بقي من الكتاب تستعرض فيه الكاتبة الصراع بين التيـارين: النقـابي والإصـلاحي داخل الحزب، والذي انعكس على مجموعة من القطاعات من بينها القطـاع النسـائي الذي صار تابعا للإصلاحي، ويقصي كل إسم نسائي محسوب على « النقابي»، هذا الأخير يقصي هو بدوره « كل من هي فاعلة أو تدين بولاء أو ضمن حريم (أخت، بنت، زوجة، قريبة...) الطـرف الغريم» (ص 67)، كما تستعـرض انخراط القطاع النسائي الاتحادي في معركة الخطة، ولما « أزيح ملف الخطة إلى حين» واعتبـر المجتـمع المدني « الصمت عن الخطة هو نوع من التواطؤ ضد حقوق المرأة ...» ( ص 70)، صـاغ القطاع « تبريـرات الدفاع عن الحكومة في إزاحتها لمشروع الخطة، ومرة أخرى يغرق القطاع النسائي الاتحادي القوم بالخطاب الشفوي فقط الذي يجسد ما يريده السيد داخل الحزب دون محاولة الانفراد بموقف مميز وبجانب مكونات المجتمع المدني» (ص70). وفي آخر كتابها تثير الكاتبة بعض المنزلقات التي وقع فيها الحزب (غياب الديمقراطية والاجتهاد وسيادة الكسل الفكري، الوقوع في لعبة المواقع والسلطة و الصراع على النفوذ...)، وتقتـرح أن يتم التعامل ـ تنظيميا ـ مع الحقيقة، واكتسـاب المعرفة الحـزبية... مـع تركيـزها على استحضار إيديولوجية الحزب، العامل الأبقى في نظرها. وقبل الختام، تجدر الإشـارة إلى أن في الكتاب نوعا من الجـرأة المحمـودة، مما أعتبـره البعض « مباشرية في لغتها حد التجريح "8،تكفي الإشارة إلى بعض الأمثلة، ومنها: 1- قول الكاتبة عن التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي: « ثمة رقابة أدخلت على محتوى الوثيقة الأرضية، بل إن العديد من الإضافات كانت في المسودة تم التخلـي عنها... ربما لـم تكن على المقـاس» ( ص 31/32)، وأن التقرير « تعرض بالفعل إلى البتر، إلى الزيادة» كما مر. 2- قولها عن رسالة البصري المعروفة أنها استدعت « قطعة من التاريخ اهتز لها الكيان ... فصد باب الاجتهاد من أجل ملامسة حقيقة الأمر حين وضع له دعاة التنظير الحديث وقالوا بأن الحقيقة يجب أن تكون في الجامعـات وفي متناول النخبة وليس الرأي العام» (ص 59)، وهو ما يذكر، والحديث حول النسائي، بما قالته السيدة نزهة الشقروني لما سئلت عن توقيف ثلاث جرائد دفعة واحدة، إذ قالت: « إن تنصيب حكومة التناوب هذه قد أثار كذلك شرها لدى بعض الأشخاص المبعدين عن السلطة. هناك أيضا تطلعات نحو النجومية في عالم الإعلام. لذلك سيتم استدعاء التاريخ. لكن التاريخ لا يمكن البحث فيه إلا للمؤرخين، بطريقة علمية وموضوعية »9. قالت الوزيرة هذا الكلام هنا، إلا أنهـا خالفـته في موضع آخر، حينما تعلق الأمر بما سمي بخطة إدماج المرأة في التنمية، حيث « اجتهدت» لاستنبـاط حكـم من آية « اجتهدت» أيضا في تذكرها كما هي في القرآن فلم تفلح، فقالت: « ... أما مسألة تعدد الزوجات فمن حيثالمبدإ ـ أي النصوص القرآنية ـ يوجد ما يكفي من الإشارات لتقنين هذه المسألة. ونحن عندما نطالب بمنح تعدد الزوجاتفإننا ندعو إلى معالجة حالات استثنائية، فالأصل في القرآن الكريم: وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ومن ثم ولن تعدلوا وإن حرصتم صدق الله العظيم »10 ( كذا)!
التخصص، حسب منطق الوزيرة، مطلوب للحقيقة التاريخية، لكنه مرفوض للحقيقة الشرعية! وليجتهد في الدين لنصرة الخطة الأدعياء! فوا إسلاماه! 3- قولها عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بأنها تكون « عقارا موثقا ومحفظا وبامتياز باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأن الفصائل المتنورة التي توهم بالتعددية والتعايش في نهاية المطاف ركائز تحصين تيار حزبي (داخل الاتحاد الاشتراكي) في هذه الحظيرة المحفظة» ( ص 66). 4- قولها عن الحزب في علاقته بالأممية الاشتراكية أنه « لأول مرة يدرج خطاب الضفة الأخرى داخل القطاع النسائي الاتحادي...» ( ص 54) كما مر، وأنه، داخل الحزب، « يتم الاقتصار على ما هو وارد في مرجعيات الآخر من أجل استنباط شفوي: ( شعارات) في أغلبها فضفاضة وعامة» ( ص 73)، وصاحبة هذا الكلام ليست « متطرفة» أو « ظلامية» والحمد لله! إلا أن الكتاب لم يسلم هو الآخر من منزلقات: فالكاتبة تنقل بالصفحة 22 مثلا عن مجلة « باحثات»11 نصا من مقال لشفيق المصري يتكلم فيه عن المادتين 7 و8 من « اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» لسنة 1979، لكنها تنسبهما للاتفاقية الدولية الملزمة بتاريخ 1952. ثم هي تؤاخذ على التقرير الإيديولوجي (1975 أن خطابه يقتصر « على الجمع المذكر دون الإشارة إلى المؤنث» ( ص25). فهل من الضروري مثلا، إذا ما ذكر أن المؤتمر هو « مؤتمر المناضلين، الأوفياء كلهم» أن يذكر أيضا أنه « مؤتمر المناضلات الوفيات كلهن» ؟ ألا يكون في قاعدة التغليب كفاية؟ أقول هذا الكلام على خلفية وجود من يطالب بتأنيث اللغة العربية باعتبارها ـ في نظره ـ لغة ذكورية تهمل المرأة، لدرجة أن الشاعرة الأردنية زليخة أبو ريشة طالبت « بإلغاء القواعد التي تتبنى لغة التغليب، لغة الذكور، ليعتاد الذكور على خطاب المؤنث ويشعروا بالقلق الفعلي الذي تشعر به المرأة عندما تخاطب بخطاب المذكر»12 فهل الكاتبة تنحو هذا المنحى في التعامل مع اللغة ؟ إن للأمر خطورته، عندما نعلم أن الخطاب القرآني للمرأة والرجل جرى على قاعدة التغليب، وإلا لكان للمرأة المسلمة أن تمتنع عن الصـلاة والزكاة لأن الآيـة تقـول: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» (البقرة: 109)، وعن الصيام لأن الخطاب في الآية جاء بصيغـة «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام» ( البقرة : 182) ولم يأت بصيغة « يا أيتها اللائي آمن ...» . هذه القاعدة، قاعدة التغليب، لم تثر أدنى مشكلة في لغات أخرى كالفرنسية مثلا، لكنها تثيرها إذا تعلق الأمر بلغتنا وعند بعض بنات جلدتنا!فهل الكاتبة تروم « تأنيث» اللغة؟ ونلاحظ أن الكاتبة، وهي تنعت فكرة مخالفيها في المرجعية بالظلامية ( وهو ما نتجاوزه باعتباره غير خليق بالمناقشة)، فإنها لا يعجبها التزام الطالبات بالزي الشرعي، فيصدر عنها ما لا نجد له مثيلا إلا عند غلاة العلمانيين، إذ تقول: « ... انقلب كـل شيء لكي يصبح الحجاب المتمثل في الجلباب والخرقة شيئا عاديا، مقابل تأثيث الفضاء الجامعي بكائنات غريبة تتحرك داخل خيمات متنقلة» ( ص 37)! إن أول ما يلفت الانتباه في هذا الكلام أن الكاتبة تعتبر أن كل شيء انقلب، لكنها لا تذكر ـ في هذا الكل الذي انقلب ـ إلا الحجاب! وكأن مشاكل الجامعة المغربية، على كثرتها الواضحة للعيان، أصبحت لا تساوي شيئا أمام « أم المشاكل»: الحجاب! إنه، لدى الكاتبة، منطق « طاحت الصمعة علقوا الحجاب »! أو هو ـ تبعا لأطروحة الكتاب ـ منطق «طاحت سمعة الحزب، علقوا المحتجبات»! مع أن كتاب الله عز وجل يقول: «يا أيها النبيء قـل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنيـن عليهن من جلابيبهن...» (الأحزاب:59). أخرج البخاري عن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها ـ وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه و سلم ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ست ـ قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي صلى الله عليه و سلم : أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: « لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين»13. فالجلباب أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه و سلم للمؤمنات، وهو لباس التزمت به زوجات رسول الله صلى الله عليه و سلم وغيرهن من الصحابيات استجابة لذلك الأمر، فكيف يوصف بأنه « خيمات متنقلة» كما قالت الكاتبة؟ إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه المرء أن ينقل موقفه من خصم سياسي إلى موقف من أغلى ما يشترك فيه مع ذلك الخصم : الدين. وهو ما يمكن أن يفهم من كلام الكاتبة. وفي نفس السياق، حينما تقابل الكاتبة بين الأممية الاشتراكية والاتحاد الاشتراكي تسجل « أن الأحزاب الغربية التي شكلت عماد هذه المؤسسة الاشتراكية اتجهت في بناء سلمها القيمي وتدعيم كيانها دون اعتماد على الدين... أما هنا فالسلم القيمي الاشتراكي عموما وكما هو الحال لـدى المـؤسسة الأممية لا يكفي، فسيف التكفير لهن بالمرصاد حين استغلال جماعات الهوس الديني للدين في المنابر والمساجد والمناسبات، فالتلويح به لكل المغربيات المسلمات والراغبات في الخروج من طوق الحريم من أجل انتزاع حقوق يضمنها الدين والإنسانية» ( ص 58). إن الكاتبة هنا لا تسير مع التحليل إلى نهايته، إذ تسكت عن أسئلة كثيرة يثيرها كلامها، من مثل: لماذا لم تعتمد الأحزاب الغربية على الدين في بناء سلمها القيمي؟ وهل الدين لدى الغربيين هو نفسه لدينا؟ وهل يضمن الدين لديهم حقوقا للمرأة مثلما يضمنه لدينا الدين لها، بشهادة الكاتبة في آخر كلامها؟... إن أي منصف يدرك أن الدين لدينا مكون أساسي في النظام الاجتماعي، تعبر عن ذلك مثلا الآية صراحة: «وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله» ( الزخرف: 84). وعكسه، لدى النصارى، المقالة الإنجيلية: « إدفعوا، إذن، إلى القيصر ما لقيصر، وإلى الله ما لله»14. فهل يستوي دين ضمن للمرأة حقوقها، مع دين آخر يجعلها مثلا خاضعة للرجل في كل شيء: « أيتها النساء، إخضعن لأزواجكن كما تخضعن للرب، لأن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة، وهو مخلص الكنسية وهي جسده. وكما تخضع الكنيسة للمسيح، فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شيء»15. ولا يجوز لها أن تعلم أحدا : « على المرأة أن تتعلم بصمت وخضوع تام، ولا أجيز للمرأة أن تعلم ولا أن تتسلط على الرجل، بل عليها أن تلزم الهدوء»16، ويمنعها أن تتزوج بعد طلاقها: « من طلق امرأته وتزوج غيرها زنى عليها، وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت غيره زنت»17...؟ ثم إذا كان الدين يضمن حقوقا للمرأة، و « السلم القيمي الاشتراكي عموما لا يكفي»، فلماذا تتخذ الكاتبة المرجعية الإيديولوجية للحزب سابقا (الاشتراكية العلمية) معيارا لمحاكمة تصور الحزب للمسألة النسائية كما في قولها مثلا عن التقرير النسوي (1975): « لم تستطع الوثيقة الارتقاء بأفكار لكي تساير الفكر الاشتراكي عموما وما تبناه الحزب من خيارات وإجراءات آنذاك، مرجعيتها الاشتراكية العلمية» ( ص 33)؟ ومع ما سبق، فإننا لنرجو أن يكون الكتاب كما قالت صاحبته « نبراس تكسير أول حلقة من قيود المرأة» ( ص 05) عامة، واليسارية خاصة، بدءا بقيد « الحريم الحزبي» أخطر قيد ذكره الكتاب!
التخصص، حسب منطق الوزيرة، مطلوب للحقيقة التاريخية، لكنه مرفوض للحقيقة الشرعية! وليجتهد في الدين لنصرة الخطة الأدعياء! فوا إسلاماه! 3- قولها عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بأنها تكون « عقارا موثقا ومحفظا وبامتياز باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأن الفصائل المتنورة التي توهم بالتعددية والتعايش في نهاية المطاف ركائز تحصين تيار حزبي (داخل الاتحاد الاشتراكي) في هذه الحظيرة المحفظة» ( ص 66). 4- قولها عن الحزب في علاقته بالأممية الاشتراكية أنه « لأول مرة يدرج خطاب الضفة الأخرى داخل القطاع النسائي الاتحادي...» ( ص 54) كما مر، وأنه، داخل الحزب، « يتم الاقتصار على ما هو وارد في مرجعيات الآخر من أجل استنباط شفوي: ( شعارات) في أغلبها فضفاضة وعامة» ( ص 73)، وصاحبة هذا الكلام ليست « متطرفة» أو « ظلامية» والحمد لله! إلا أن الكتاب لم يسلم هو الآخر من منزلقات: فالكاتبة تنقل بالصفحة 22 مثلا عن مجلة « باحثات»11 نصا من مقال لشفيق المصري يتكلم فيه عن المادتين 7 و8 من « اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» لسنة 1979، لكنها تنسبهما للاتفاقية الدولية الملزمة بتاريخ 1952. ثم هي تؤاخذ على التقرير الإيديولوجي (1975 أن خطابه يقتصر « على الجمع المذكر دون الإشارة إلى المؤنث» ( ص25). فهل من الضروري مثلا، إذا ما ذكر أن المؤتمر هو « مؤتمر المناضلين، الأوفياء كلهم» أن يذكر أيضا أنه « مؤتمر المناضلات الوفيات كلهن» ؟ ألا يكون في قاعدة التغليب كفاية؟ أقول هذا الكلام على خلفية وجود من يطالب بتأنيث اللغة العربية باعتبارها ـ في نظره ـ لغة ذكورية تهمل المرأة، لدرجة أن الشاعرة الأردنية زليخة أبو ريشة طالبت « بإلغاء القواعد التي تتبنى لغة التغليب، لغة الذكور، ليعتاد الذكور على خطاب المؤنث ويشعروا بالقلق الفعلي الذي تشعر به المرأة عندما تخاطب بخطاب المذكر»12 فهل الكاتبة تنحو هذا المنحى في التعامل مع اللغة ؟ إن للأمر خطورته، عندما نعلم أن الخطاب القرآني للمرأة والرجل جرى على قاعدة التغليب، وإلا لكان للمرأة المسلمة أن تمتنع عن الصـلاة والزكاة لأن الآيـة تقـول: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» (البقرة: 109)، وعن الصيام لأن الخطاب في الآية جاء بصيغـة «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام» ( البقرة : 182) ولم يأت بصيغة « يا أيتها اللائي آمن ...» . هذه القاعدة، قاعدة التغليب، لم تثر أدنى مشكلة في لغات أخرى كالفرنسية مثلا، لكنها تثيرها إذا تعلق الأمر بلغتنا وعند بعض بنات جلدتنا!فهل الكاتبة تروم « تأنيث» اللغة؟ ونلاحظ أن الكاتبة، وهي تنعت فكرة مخالفيها في المرجعية بالظلامية ( وهو ما نتجاوزه باعتباره غير خليق بالمناقشة)، فإنها لا يعجبها التزام الطالبات بالزي الشرعي، فيصدر عنها ما لا نجد له مثيلا إلا عند غلاة العلمانيين، إذ تقول: « ... انقلب كـل شيء لكي يصبح الحجاب المتمثل في الجلباب والخرقة شيئا عاديا، مقابل تأثيث الفضاء الجامعي بكائنات غريبة تتحرك داخل خيمات متنقلة» ( ص 37)! إن أول ما يلفت الانتباه في هذا الكلام أن الكاتبة تعتبر أن كل شيء انقلب، لكنها لا تذكر ـ في هذا الكل الذي انقلب ـ إلا الحجاب! وكأن مشاكل الجامعة المغربية، على كثرتها الواضحة للعيان، أصبحت لا تساوي شيئا أمام « أم المشاكل»: الحجاب! إنه، لدى الكاتبة، منطق « طاحت الصمعة علقوا الحجاب »! أو هو ـ تبعا لأطروحة الكتاب ـ منطق «طاحت سمعة الحزب، علقوا المحتجبات»! مع أن كتاب الله عز وجل يقول: «يا أيها النبيء قـل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنيـن عليهن من جلابيبهن...» (الأحزاب:59). أخرج البخاري عن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها ـ وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه و سلم ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ست ـ قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي صلى الله عليه و سلم : أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: « لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين»13. فالجلباب أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه و سلم للمؤمنات، وهو لباس التزمت به زوجات رسول الله صلى الله عليه و سلم وغيرهن من الصحابيات استجابة لذلك الأمر، فكيف يوصف بأنه « خيمات متنقلة» كما قالت الكاتبة؟ إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه المرء أن ينقل موقفه من خصم سياسي إلى موقف من أغلى ما يشترك فيه مع ذلك الخصم : الدين. وهو ما يمكن أن يفهم من كلام الكاتبة. وفي نفس السياق، حينما تقابل الكاتبة بين الأممية الاشتراكية والاتحاد الاشتراكي تسجل « أن الأحزاب الغربية التي شكلت عماد هذه المؤسسة الاشتراكية اتجهت في بناء سلمها القيمي وتدعيم كيانها دون اعتماد على الدين... أما هنا فالسلم القيمي الاشتراكي عموما وكما هو الحال لـدى المـؤسسة الأممية لا يكفي، فسيف التكفير لهن بالمرصاد حين استغلال جماعات الهوس الديني للدين في المنابر والمساجد والمناسبات، فالتلويح به لكل المغربيات المسلمات والراغبات في الخروج من طوق الحريم من أجل انتزاع حقوق يضمنها الدين والإنسانية» ( ص 58). إن الكاتبة هنا لا تسير مع التحليل إلى نهايته، إذ تسكت عن أسئلة كثيرة يثيرها كلامها، من مثل: لماذا لم تعتمد الأحزاب الغربية على الدين في بناء سلمها القيمي؟ وهل الدين لدى الغربيين هو نفسه لدينا؟ وهل يضمن الدين لديهم حقوقا للمرأة مثلما يضمنه لدينا الدين لها، بشهادة الكاتبة في آخر كلامها؟... إن أي منصف يدرك أن الدين لدينا مكون أساسي في النظام الاجتماعي، تعبر عن ذلك مثلا الآية صراحة: «وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله» ( الزخرف: 84). وعكسه، لدى النصارى، المقالة الإنجيلية: « إدفعوا، إذن، إلى القيصر ما لقيصر، وإلى الله ما لله»14. فهل يستوي دين ضمن للمرأة حقوقها، مع دين آخر يجعلها مثلا خاضعة للرجل في كل شيء: « أيتها النساء، إخضعن لأزواجكن كما تخضعن للرب، لأن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة، وهو مخلص الكنسية وهي جسده. وكما تخضع الكنيسة للمسيح، فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شيء»15. ولا يجوز لها أن تعلم أحدا : « على المرأة أن تتعلم بصمت وخضوع تام، ولا أجيز للمرأة أن تعلم ولا أن تتسلط على الرجل، بل عليها أن تلزم الهدوء»16، ويمنعها أن تتزوج بعد طلاقها: « من طلق امرأته وتزوج غيرها زنى عليها، وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت غيره زنت»17...؟ ثم إذا كان الدين يضمن حقوقا للمرأة، و « السلم القيمي الاشتراكي عموما لا يكفي»، فلماذا تتخذ الكاتبة المرجعية الإيديولوجية للحزب سابقا (الاشتراكية العلمية) معيارا لمحاكمة تصور الحزب للمسألة النسائية كما في قولها مثلا عن التقرير النسوي (1975): « لم تستطع الوثيقة الارتقاء بأفكار لكي تساير الفكر الاشتراكي عموما وما تبناه الحزب من خيارات وإجراءات آنذاك، مرجعيتها الاشتراكية العلمية» ( ص 33)؟ ومع ما سبق، فإننا لنرجو أن يكون الكتاب كما قالت صاحبته « نبراس تكسير أول حلقة من قيود المرأة» ( ص 05) عامة، واليسارية خاصة، بدءا بقيد « الحريم الحزبي» أخطر قيد ذكره الكتاب!
0 Response to "المسألة النسوية ...محور الصراع بين التيارات السياسية في المغرب"
إرسال تعليق