إنهم يصوتون ببطونهم - بقلم محمد بنعزيز

مرسلة بواسطة جمعية المدونين المغاربة On 13:12

بدأت الدورة الأخيرة في السباق للفوز في الانتخابات الجماعية، وبناء على مشاركتي في الحملات الانتخابية السابقة، يمكن التمييز بين ثلاثة مرشحين:
- مرشح القبيلة.
- المرشح المقاول.
- المرشح المسيس.
ولحملة كل واحد دعامة مخصوصة يرتكز عليها في تسيير حملته الانتخابية.
الأول هو ابن القبيلة البار، يحرص على الترشح في مسقط رأسه وبين أهله، لا رابط سياسي بينه وبين مرشحي حزبه في الدوائر الأخرى، جلهم التحق بالحزب في آخر لحظة - بحثا عن التزكية - وغالبا لم يلتقوا قط، هدف المرشح هو احتكار الوجاهة في قبيلته، مما يقربه من السلطة ويسهل عليه تدبير أموره، وخدمة أقاربه كوسيط أي سمسار، وهذه خدمة معتبرة حيث تكثر النزاعات.
يريد المرشح القبلي أن يفوز مهما كلفه ذلك، لا مكان للتراجع في القبيلة، فالمساومة ضد الرجولة (بمعنى أنوثة) والفوز هو النخوة. لذا لا ترشح القبيلة النساء.
وسائل التأثير الرئيسية لهذا المرشح هي الدم الذي لا يصير ماء، وباسم الدم والأخوة في الرضاعة والجيرة، يطلب المرشح من ناخبيه ألا يتخلوا عنه، لا يناقشهم، لكن يرمي عليهم "العار"، يعانقهم ويقبلهم، وخاصة كبار السن، يعانقهم ولا يحدثهم عن السياسة، لذا يجد مشاكل في التواصل مع الشباب.
يملك هذا الأسلوب في التواصل فعالية خاصة في البوادي حيث توجد ساكنة متجانسة، فما أن يعطي أحد رجال فخذ أو بطن قبيلة وعدا بالتصويت لمرشح معين حتى يتبعه أهله وأقاربه، ومن يخرج عن إجماع القبيلة يعزل، يعاقب، وهكذا يصبح الانتخاب إرغاما وليس اختيارا.
تعرف البوادي نسبة مشاركة عالية مقارنة بالمدن، وقد أدرك الكثير من المرشحين أن مفتاح النجاح يوجد في البوادي، وهذا ما يفسر سفر موظفين سامين من العاصمة إلى قرى نائية للترشح فيها لأن بها فرص فوز أكثر. بفضل عصبية أبناء العمومة والأصهار وأصهار الأصهار، ينمحي الصراع الطبقي، بحيث يساند الفقير المعدم ابن عمه الثري ضد "البراني" في اصطفاف عمودي شاذ. [باسم الناس ديالنا، وينخ بالأمازيغية].
في مثل هذه الحملة الانتخابية "البراني" هو الذي ينتمي إلى قبيلة أخرى، يهجم عليه الكل دفعة واحدة، لذا تقع مواجهات ويتم تبادل شتائم حين يذهب مرشح من قبيلة معينة للقيام بحملته في أرض قبيلة مرشح آخر، فأنصار هذا الأخير يعتبرون تحرك غيرهم في أرضهم مساسا بهم، لذا يرددون شعارات تطالب الغرباء بالانصراف. وهذا سلوك يتعارض مع مبدأ الوطن للجميع، وهو يجبر مرشح كل قبيلة ليكون في حزب غير حزب مرشح القبيلة الأخرى، وهذا هو سبب تناسل الأحزاب.
تتخلخل هذه الدعامة عندما يتقدم مرشحان من نفس القبيلة كل واحد منهما يقسم بالدم والرضاعة، حينها يصير الدم ماء ولابد من عوامل أخرى لتحديد الأقوى. من الواضح أن الانتخابات تستثمر القبلية وتخربها في آن، والنتيجة أنه بمرور السنين تقل احتمالات فوز أصحاب الدم، لأن الانتخابات تتسبب في شروخ داخل القبيلة وتزعزع البنيات التقليدية فتتوزع الأصوات، وهذا ما بدأ يحصل في المدن، حيث يؤدي تلاشي الروابط الدموية بين المهاجرين وقراهم إلى ظهور علاقات زبونية جديدة.
المخزن لا يثق في هذا النوع من العلاقات، لذا فهو يثق في البوادي أكثر، يثق في فلاحيه رغم أنه يبيعهم 100 كلغ أسمدة ب 30دولار للقنطار بينما يصدر 1000 لكغ فوسفاط ب50دولار... القانون الانتخابي الحالي يجلب كتلة ضخمة من المنتخبين من البوادي. كمثال يوجد في جهة العاصمة الرباط 40جماعة قروية وربْعها بلديات.
المرشح الثاني شخص برجوازي، وهذا توصيف مضلل، لأن البرجوازية تحيل على قيم لا صلة بينها وبين هذا المرشح، لنقل أن المرشح دومالي، مقاول رث من أعيان المدينة، رث لأنه يعتاش من اقتصاد الريع ويخشى التنافس الشفاف، يترشح لتقوية موقعه أمام أشباهه، لديه إستراتيجية واضحة: ينفق الآن ما سيحصّل ضعفه لاحقا. إذن فالانتخابات بالنسبة إليه مقاولة أيضا، تقترح على المصوتين تبادل مصالح، وهكذا تدور الحملة الانتخابية وفق آليات دكان الحي. [يعرف صاحبه كيف يتعامل مع الكليان]. لذا ليس لفوز هذا المرشح أي دلالة سياسية.

المرشح ثري يستثمر في الاقتصاد السياسي، يقدم منافع لزبنائه "الأوفياء"، مثل عمال مصنعه ومقهاه، وهو متأكد أنهم سيصوتون عليه آليا لأنه يسيطر على مصدر رزقهم وعلى أصواتهم وأصوات أسرهم وأقاربهم من المستفيدين الحاليين والمحتملين، خاصة وأنهم يتلقون دوما وعودا بالتشغيل أو المساعدة.

في تعامله مع غير عماله ومن يتصل بهم، يتحرك المرشح المقاول في موكب سيارات دفع رباعي لترهيب الناس، يؤمن أن دعامة الحملة الانتخابية هي الخراف المشوية، لأن إدام الخراف المشوية أقوى من أي مهرجان خطابي.

وهذا الإدام فعال لأن الناخب يسعى للاستفادة قدر المستطاع قبل نهاية الحملة، يأكل ويأخذ معه اللحم لأهله، فأسعار اللحم مرتفعة، ومن يطبخه ويقدمه بكثرة كريم ويستحق الفوز، اللحم هو وسيلة الإقناع، وهو أكثر تأثيرا من الخطابات السياسية، وقد أقام مرشح ذكي وليمة وضع فيها أمام كل خمسة "مصوتين محتملين" خروفا مشويا كاملا، وقد كان هذا حدثا خارقا سارت بذكره الركبان، لأن أحدا لم يقدر على المزايدة عليه، فالمزايدة في الكلام أسهل من المزايدة في الشواء. هكذا يفكر الناخب الجائع والانتهازي. وهو لا يقاطع الانتخابات أبدا.

لكن من كثرة الولائم صارت شبهة، لذا يسارع المرشحون المتبرجزون إلى الجنازات لإطعام المعزين، كما يتسابقون على حفلات الزواج والختان لتقديم الهدايا وإطعام الأنصار المحتملين، وهم أنصار ظرفيون قد لا يمتد مفعول ما أكلوه أكثر من يوم، فإذا حضروا وليمة أدسم نسوا ما قبلها، لذا يحرص المرشح أن يقسموا أمامه "الطعام" الذي يجمعهم.

المرشح الثالث سياسي متمرس وليس وافدا على السياسة يوم الانتخابات، إنه شخص عميق التسييس، متشبع بفكرة أن السياسة هي خدمة المصلحة العامة، لديه خطاب سياسي منسجم يستطيع التحدث وليس أبكم، قادر على الجدل، أي فن الاعتراض والاقتراح، قادر على التواصل، يعمل على تأطير المواطنين، يخاطبهم باعتبارهم رأيا عاما وليس كأفراد مستقلين عن بعضهم البعض... وهو يركز حملته على شحذ العزيمة لا تقديم الوليمة، يستهدف عقول الناخبين، باعتبارهم مواطنين بغض النظر عن أصولهم وثرواتهم وقبائلهم، إنهم سواسية بالنسبة له، الغريب مثل ابن العم.

لأنه يسوق أفكاره، وهي دعامة حملته، فإن المرشح الثالث يقوم بحملة نظيفة ذات كلفة معلومة، حملة تقوم على إقناع الناخب، على مخاطبة العقول بدل البطون، حملة تستهدف مواطنا لا يمكن شراؤه أو إرشاؤه، مواطن يعرف البرامج الحزبية ويحكم على النتائج، مواطن يختار بناء على معيار الاستحقاق، مواطن يفهم أن التصويت هو تعاقد بينه وبين المرشح.

واضح أن هذه الدعامة تواجه صعوبات في مغرب اليوم، الصعوبة الأولى هي أنها تتوجه إلى نخب المدن، إلى الطبقة الوسطى، إلى 2 %من المغاربة الذين يطالعون الجرائد، إلى الذين يصوتون بناء على موقف فلسفي وسياسي، وهم غالبا يقاطعون التصويت، ليبقى مستقبل المغرب في يد الأعيان والأميين. وهؤلاء يسخرون من المرشح المسيس لأن تمسكه بالمبدأ والأمل يفسر كعلامة على الغباء أو الحمق.

الصعوبة الثانية طارئة، وهي استخدام التقوى والجهاد الانتخابي للتعبئة، وهذه خطة الإسلاميين، فهم لا يقدمون الشواء، لكن يقدمون أنفسهم بديلا للآخرين، ينظمون حملة انتخابية مختلفة، يسيرون في صمت وانضباط، يتحدثون بأدب، وحين يرتفع الآذان يجلسون أرضا في الشارع ليصلوا، وقد كان لهذه الحركة أثر كبير في نفوس المارة الذين دهشوا.

لقد عكست نتائج الانتخابات المغربية العلاقات القبلية وزبونية المقاول الرث، وفي محطات كثيرة تحالف القبلي مع هذا المقاول. المبهج أن هذا الشكل من الانتخابات فقد كل شرعية، صار مصدر سخرية، وصار الاعتراض عليه شديدا، وهذا سبب تزايد المقاطعة.

بقي الأمل في أصحاب الدعامة الثالثة، المسيسون وهم قلة، لأن الفئة التي ينحدرون منها صغيرة، ف 400ألف مغربي يطالعون الجرائد يوميا، أي أقل من 2% من السكان، أما 98 في المائة الباقية فيعانون أمية أبجدية أو ثقافية ويعتاشون على الشفوي فقط.
في الوضع المغربي، يعتبر 2% نخبة، وأنا أدعوهم أن يساندوا مرشح الدعامة الثالثة، لقطع الطريق على المرشح القبلي وعلى الدومالي، وإلا فإن الأغلبية العامية سوف تستمر في جرهم إلى أسفل بدل أن يجروها إلى فوق.

في مغرب اليوم، يفوز أصحاب الدم في البوادي ويفوز أصحاب اللحم في المدن، لذا يحكم رجل الأعمال الرث المدينة، لأنه يستقطب ناخبين يصوتون ببطونهم، وبعد الانتخابات يبقى العظم المكسور بين أسنانهم، بينما يستمر البيزنس مان في عمادة طنجة وسلا ومراكش والرباط والبيضاء ومكناس وتيفلت...

أيها المرشح، في أي صنف أنت؟

أيها الناخب: من منهم يلائم طريقة تفكيرك؟ ماذا تقدر دعامة العار أم الطعام أم الأفكار؟

على الطاولة ثلاث دعامات - خيارات فقط، النفس الشهوية والنفس الغضبية والنفس العاقلة، اللحم والدم والفهم، اللحم للزبون والدم لابن العم والفهم للمواطن. صحيح أنه كلما زاد الذين يؤمنون بكرامتهم ومواطنتهم ضعف تأثير الدم واللحم في الحملات الانتخابية، لكن لحدود اللحظة، وأسطر على اللحظة، فإن الذين يصوتون ببطونهم هم الذين يقررون لنا، والمقاطعون يساعدونهم، فما العمل لتسيّرنا العقول بدل البطون؟

أنا لن أقاطع الانتخابات ثم أشتمها، سأتصرف لكي لا أصب الماء في طاحونة القبلي والدومالي، سأقوم بالحملة وسأصوت على المرشح المسيس، النشيط في حزبه منذ مدة، الأصغر سنا والأعلى تعليما، لإصابة هدف واحد على الأقل، إما حقن النخب السياسية المحلية بدماء شابة، أو على الأقل تغيير الوجوه التي ملّها المغاربة.

bnzz@hotmail.com

0 Response to "إنهم يصوتون ببطونهم - بقلم محمد بنعزيز"

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

إلى اعلى الصفحة

الانتخابات الجماعية المغربية 2009 ستشهد: