امحمد عزيز..
مع اقتراب كل محطة انتخابية بالمغرب، تتحول الساحة السياسة إلى ما يشبه السوق حيث تنتعش مهن وحرف عديدة في السوق الانتخابية بسبب الطلب الكبير الذي تواجهه من قبل أغلب الأحزاب والقوى السياسية في حملاتها الدعائية للانتخابات التشريعية والجماعية ومن بين هذه الحرف نذكر مهنة وسطاء أو سماسرة الانتخابات ، الذين يوجهون الكتلة الناخبة ويستميلونها لفائدة مرشح معين مقابل أقساط مالية يتم الاتفاق عليها مسبقا، ولقد باتت هذه الحرفة تؤثث المشهد الانتخابي المغربي، نظرا لقوة تأثيرها في توجيه الكتلة الناخبة في الاتجاهات التي تراها مناسبة لشهواتها المأجورة، والمفتوحة على كل التيارات حسب منطق العرض والطلب، لدرجة أصبحت معها بعض الكائنات الانتخابية تملك قلعات محصنة بفعل ضغط سماسرتها على الكتلة الناخبة، إن بواسطة المال العام مباشرة أو عن طريق خدمات أخرى تحركها الهواجس الانتخابية، ويمكن الاعتراف بأن تنامي هذه الطفيليات داخل المشهد الانتخابي المغربي مرده لغياب إرادة سياسية واضحة المعالم تمكن من تفعيل القنوات القانونية الزجرية للحد من تناسل هذه المظاهر المسيئة للتقدم الديمقراطي للبلاد، وقد ذهبت مجموعة من الفعاليات السياسية المغربية في تحليلها لتكاثر سريان هذا الداء في الجسم الانتخابي الوطني، للسياسية العامة التي تنهجها الدولة والمبنية أساسا على تشويه ملامح المشهد السياسي الوطني، باعتمادها الأساليب اللاديمقراطية في إقرار خريطة سياسية على المقاسات التي تخدم مصالحها غير الديمقراطية، ومن أهم الأسس الضامنة لاستمرار هذا الاضطراب في الأرقام الانتخابية المغربية تواجد تلك الكائنات الانتخابية التي تحولت مع مرور الزمن إلى ديناصورات انتخابية تتحكم في النتائج أشهرا قبل الاقتراع العام، بواسطة حفنة من السماسرة على اختلاف مواقع تواجدهم من الهرم المجتمعي ودرجاته، والتي أضحت تملك أزرار تحريك الكتلة الناخبة حسب الإملاءات الفوقية لأصحاب القرار، خاصة وأن أغلب هؤلاء (الشناقة) يدخلون في خانة الأعيان والأعوان أو بتعبير أقرب أصابع الإدارة الترابية الذين تسخرهم لتغليب كفة خدامها من المرشحين للانتخابات على اختلاف مستوياتها. و يحول هؤلاء السماسرة الساحة الانتخابية إلى سوق تتحكم فيها سلطة المال والجاه
ويشكل وسطاء وسماسرة الانتخابات في الغالب ، نقطة سوداء للأسف لا تزال متفشية بشكل كبير في الأوساط المغربية، يتوهج نشاطها مع كل موعد انتخابي جديد، لدرجة أصبح معها هذا النشاط يتحكم في الإرادة الشعبية على مجموعة من المستويات، ويشجع على تنامي أعداد المتدخلين في توجيه العملية الانتخابية والتأثير على حرية الناخبين في إقرار نتائج على مقاسات تخدم الدولة في تشويه المشهد السياسي الوطني. هذه الظاهرة تنشط على امتدادا المساحة الفاصلة بين المحطات الانتخابية، لاستدراج الكتلة الناخبة وتهييئها للمشاركة في العملية الانتخابية حسب الإملاءات التي يفرضها هؤلاء السماسرة، الذين ينتمون في أغلبيتهم لصغار المنتخبين ممن سهلت الإدارة الترابية عملية تمريرهم للمؤسسات المنتخبة المحلية لأجل القيام بهذا الدور في استمالة الهيئة الناخبة حسب الأوامر الفوقية، حيث تجتهد السلطة دائما في تطور وسائل تدخلها تماشيا مع تطوير العقلية المغربية، يحدث هذا الفعل في البلاد بإيعاز من القائمين على تدبير شؤونها العامة، دون أدنى اعتبار للبناء الديمقراطي الذي تنشده الأمة، فإلى متى ستستمر عملية سريان هذه الفيروسات في دماء مسلسلنا الانتخابي المغربي؟ ومتى تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية في وضع قطيعة مع هذه الممارسات المشينة والمسيئة للمشوار الديمقراطي بالبلاد؟!
ويرجع انتشار ظاهرة سماسرة الانتخابات إلى العقليات الحزبية التي تملأ المشهد الحزبي الوطني والتي تتسابق في كل الاتجاهات لأجل ضمان استمرار وجودها داخل المؤسسات المنتخبة للمحافظة على مستوى تأثيرها داخل المشهد السياسي بواسطة القوة العددية لمنتخبيها داخل المؤسسات التشريعية أو المجالس الجماعية ، وأثناء هذا السباق العجيب في اتجاه حصد المقاعد البرلمانية أو الجماعية على الخصوص، تستعمل هذه المؤسسات الحزبية كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة في سبيل تحقيق غاياتها الانتخابية ولو على عاتق الديمقراطية، ويتجلى هذا الأمر واضحا من خلال العينات التي تترشح باسم هذه الأحزاب والتي يدخل معظمها ضمن خانة، الأعيان/ بارونات المخدرات / الباطرونات / أصحاب الشكارة، مما يؤكد أن غاية الأحزاب تبرر وسيلتها في تزكية هؤلاء عوض مناضليها وأطرها، الشيء الذي أرجع بموجبه هؤلاء المراقبين المسؤولية للمؤسسات الحزبية محملين إياها الجزء الكبير في نسبة الأعطاب التي تخللت المسيرة الديمقراطية بالبلاد، خاصة وأن دستور المملكة قد أوكل للأحزاب مهمة تأطير المجتمع وتوجيهه بما يضمن التأسيس لبناء ديمقراطي يؤهل البلاد للانخراط في المنظومة الديمقراطية العالمية على الوجه الذي يشرفها. لقد انتشرت هذه الظاهرة بالمغرب لأسباب عديدة، أهمها الفساد الانتخابي الذي ساد لعقود، وتدني مستوى المنتخَبين، وجريهم وراء الامتيازات... لذلك ليس غريبا أن يندمج الناخب في اللعبة فيبحث بدوره عن مقابل مادي ظرفي.
وتعتبر ظاهرة "وسطاء وسماسرة الانتخابات" ظاهرة جزئية ترتبط بظاهرة عامة تقترن بغياب الديمقراطية السياسية على صعيد المجتمع المغربي ككل، فهي مجرد آلية لتحقيق هدف ترسيخ مشهد سياسي تنعدم فيه أسس النزاهة والشفافية واحترام إرادة الهيئة الناخبة، لذلك تبقى هذه الظاهرة مرتبطة بالعمليات الانتخابية عبر جميع مراحلها، ومرتبطة إلى حد كبير بطبيعة النظام السياسي القائم وكيفية إدارته للشأن العام بالمغرب، لأن غياب الإرادة السياسية لدمقرطة المجتمع تفتح المجال للعديد من المظاهر والظواهر السلبية لخلق مؤسسات مشوهة لا تعكس الإرادة الحقيقية للكلتة الناخبة ولا تنتج مؤسسات ذات مصداقية وفعالية، ومن بين هذه الظواهر هؤلاء "الوسطاء"، ويمكن القول بأن لهذه المظاهر السيئة ارتباط بأجهزة الدولة، الساهرة على العملية الانتخابية والتي تعمل دون هوادة على ترجيح كفة لون سياسي معين عن بقية الألوان السياسية الأخرى، لخلق خريطة سياسية على المقاس وتمرير أعيان من خلال هذه الانتخابات لمجارات السلطة في مختلف المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، من جهة أخرى هناك كتلة منتخبة عن طريق التزوير والفساد والتدخلات، تتحكم في العديد من المؤسسات الجماعية، تقوم هي الأخرى بدور "الوساطة" عن طريق وسطائها الصغار من المواطنين، ووسطاء من الموظفين الجماعيين، كما تستغل الممتلكات العمومية وتوظف المال العمومي لاستمالة الكتلة الناخبة،وتسخر خدماتها في العديد من الجوانب الحياتية غير القانونية مقابل ضمان أصوات الهيئة الناخبة، والدليل أنه مع اقتراب أي موعد انتخابي تبرز إلى السطح ظاهرة البناء غير المرخص والبناء العشوائي وتنتعش بشكل خطير جدا، لهذا أقول بأن ظاهرة الوسطاء تبقى ظاهرة سياسية في العمق، وما هي إلا تجلي واضح لغياب الديمقراطية بالمغرب.
وفي الواقع فان أغلب هؤلاء الوسطاء أو السماسرة ينتمون للأحزاب السياسية المغربية مع العلم أن أحزابهم ترفع شعارات النزاهة والشفافية والاختيار الحر وما إلى ذلك من الشعارات المشابهة. وتستفيد أغلب الأحزاب المغربية من خدمات "سماسرة الانتخابات ، فالأحزاب التي كانت تستفيد من التزوير سابقا تريد أن تثبت أن نتائجها هي نفسها وبالتالي فإنها كانت ولا تزال ضمن أية ترتيبات يتم تحضيرها للمستقبل . وأما الأحزاب التي كانت تعتمد على الإقناع في جلب الأصوات، فإن مشاركتها في الحكومة في السنوات الأخيرة بدأت تنزع عنها مصداقية خطابها نتيجة عوامل عديدة، لذا لم يصبح أمامها إلا الاستمرار في التواجد على الساحة بكل الطرق الممكنة ولو بواسطة الاستنجاد بالسماسرة والوسطاء . ويمكن أن نخلص إلى أن التناقض الذي قد يقع فيه حزب ينبذ ظاهرة اللجوء إلى سماسرة الانتخابات، يكمن في أن التركيز لحد الآن يتم على "استعمال المال" لكن لا زال الحديث محتشما بخصوص "استعمال الخدمات" (الانتقالات، تسوية الأوضاع الإدارية، شراء أدوية، أضحية العيد....)، وهي كلها خدمات يمكن أن يدرجها الطرف المعني ضمن الخدمات الاجتماعية أو الإنسانية أو حتى البر والإحسان.
وهكذا فان الكل يتحمل المسؤولية في انتشار هذه الآفة السياسية ، فالدولة تتحمل المسؤولية وهي منطقية مع نفسها لأنها تعمل على إقامة مشهد سياسي محدد، ومضبوط على مقاسات معنية، يخضع لتوازنات محددة للتحكم في سير العملية السياسية بالبلاد، ومؤسسات المجتمع المدني تتحمل هي الأخرى المسؤولية لأنها لا زالت تحارب مظاهر هذه الآفة بشكل محتشم وبعض الجمعيات الحزبية تتحول بدورها إلى لعب دور الوساطة في الحملة الانتخابية ، والأحزاب هي الأخرى تتحمل مسؤولياتها لأنها تقبل بالتزوير طالما أنه يخدم مصالحها وفي حالات العكس ترفضه وتحتج على نتائجه، لذلك يبقى مفروضا على الأحزاب السياسية أن تخلق نفسها من خلال اختيارها للمرشحين وأن تحرص على توفرهم على شروط المصداقية والنزاهة والاستقامة، وهذا الجانب رغم أهميته إلا أن المؤسسات الحزبية، لا تراعيه حق مراعاته فقط يحركها هاجس حصد أغلبية الأصوات ونفخ عدد المقاعد داخل المؤسسات المنتخبة، لتوفر بواسطتها شروطا مريحة داخل المؤسسة التشريعية او المجالس الجماعية ، ومن مظاهر السلوكات السياسية للأحزاب أنها لم تعد تعتمد على مناضليها في الانتخابات، بل أصبحت تعتمد على أعيان القبائل وعلى باطرونات التمويل، دون أدنى اعتبار لعامل المصداقية والاستقامة، لذلك فإن الفساد لم يعد منحصرا في مؤسسات الدولة، بل امتدت إلى جوف الأحزاب، مما شوه ملامح المشهد السياسي وأفرغه في مصداقيته، الشيء الذي ترتبت عنه ظاهرة العزوف عن التصويت من طرف أفواج هائلة من الكتلة الناخبة، لأن حجم الإمساك عن الانتخابات وعدم المشاركة في العمليات السياسية يتزايد بشكل مخيف بالمغرب، والمسؤولية في هذا تبقى مسؤولية مشتركة.
وأعتقد أن الآثار السلبية التي تلحقها هذه الظاهرة تمس مستويين: المستوى الأول يتمثل في المس بشكل واضح في نزاهة العملية الانتخابية. فالناخب لم يعبر عن إرادته ولكنه باعها وقبض الثمن، وبالتالي فالاقتراع هنا لم يكن حرا ولا نزيها، بل وستكون الحصيلة كارثية بصفة عامة، لأننا سنكون أمام هيئة تمثيلية مغشوشة: فقلب الناخب في جهة وتصويته في جهة أخرى. لذا فإن كلما يتعلق بالترشيح والحملة الانتخابية، والإقناع والتأطير سيتراجع لتحل محله السمسرة، البيع والشراء،الامتيازات.... وهذا لن يسمح للبلاد بالتقدم في الاتجاه الصحيح. لكن الأخطر من كل هذا، هو المستوى الثاني الذي يهم ما بعد الاقتراع، حيث أنه مرة أخرى سيحرم الناخب نفسه من حقه في محاسبة المرشح الفائز. فلا يمكنه أن يلومه أو حتى أن يسأله أو يطلب منه خدمة أخرى، لأن الناخب/البائع قد قبض الثمن، والمنتخَب/المشتري أصبح حرا في البضاعة التي اشتراها. وتأسيسا على ما ورد ذكره يمكن القول بأن التخلص من هذه الممارسات المرضية، يقتضي برنامجا طويل الأمد. لكن هناك بعض التدابير التي يمكن الشروع في تطبيقها ما دامت لا تتطلب أية ميزانيات. فمن جهة أولى ينبغي سن نصوص قانونية أو إضافة بنود إلى القوانين الانتخابية الحالية تسمح للمجتمع المدني أن يتدخل عبر كل المراحل من خلال جمعياته وشبكاته تعزيزا لمصداقية الاقتراع، بل والسماح لها بأن تكون طرقا في كل القضايا التي تمس سير الاقتراع سواء أمام الهيئات الإدارية أو القضائية أو الإعلامية .ومن جهة أخرى، ينبغي الشروع في عقلنه وضعية المنتخَب من خلال تقليص الحصانة إلى أقصى حد ممكن، وتخفيض الرواتب والامتيازات . ويبقى السبيل الوحيد من أجل تجاوز هذه السلبيات التي ساهمت في تعطيل مسيرة البناء الديمقراطي بالمغرب، هو بناء الديمقراطية بمؤسسات ذات مصداقية وأن يحصل فصل سلط حقيقي بالبلاد، وأن تكون التشريعات تتضمن روح الديمقراطية، وتحترم إرادة الناخبين وأن تكون هناك آليات لتفعيل هذه المنظومة والترسانة القانونية التشريعية والإدارية التي تضمن الحفاظ على صوت الهيئة الناخبة، لأنه لا يعقل أن يتم استغلال الفاقة والحاجة والخصاص الذي يحيط بحياة المواطنين واستغلال القضايا التي تحتاج إلى حل، لاستمالة المواطنين للتصويت لفائدة جهة معينة، هذا الشكل اعتبره شخصيا تحقيرا للمواطنين وهذا في صلبه يؤثر على بناء ديمقراطية حقيقية، لذلك فإننا بحاجة إلى معركة جديدة للديمقراطية لا تنحصر في محاولة كسب أصوات الناخبين والمقاعد، إنما يجب أن تفعل وترسخ التربية على تقوية روح المواطنة، ليصبح بالفعل المواطن هو قلب العملية الانتخابية، لأنه كلما تحرر المواطن من مظاهر السمسرة و الاستلاب، كلما تمكن من الحسم في تحقيق ديمقراطية حقيقية.
ويشكل وسطاء وسماسرة الانتخابات في الغالب ، نقطة سوداء للأسف لا تزال متفشية بشكل كبير في الأوساط المغربية، يتوهج نشاطها مع كل موعد انتخابي جديد، لدرجة أصبح معها هذا النشاط يتحكم في الإرادة الشعبية على مجموعة من المستويات، ويشجع على تنامي أعداد المتدخلين في توجيه العملية الانتخابية والتأثير على حرية الناخبين في إقرار نتائج على مقاسات تخدم الدولة في تشويه المشهد السياسي الوطني. هذه الظاهرة تنشط على امتدادا المساحة الفاصلة بين المحطات الانتخابية، لاستدراج الكتلة الناخبة وتهييئها للمشاركة في العملية الانتخابية حسب الإملاءات التي يفرضها هؤلاء السماسرة، الذين ينتمون في أغلبيتهم لصغار المنتخبين ممن سهلت الإدارة الترابية عملية تمريرهم للمؤسسات المنتخبة المحلية لأجل القيام بهذا الدور في استمالة الهيئة الناخبة حسب الأوامر الفوقية، حيث تجتهد السلطة دائما في تطور وسائل تدخلها تماشيا مع تطوير العقلية المغربية، يحدث هذا الفعل في البلاد بإيعاز من القائمين على تدبير شؤونها العامة، دون أدنى اعتبار للبناء الديمقراطي الذي تنشده الأمة، فإلى متى ستستمر عملية سريان هذه الفيروسات في دماء مسلسلنا الانتخابي المغربي؟ ومتى تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية في وضع قطيعة مع هذه الممارسات المشينة والمسيئة للمشوار الديمقراطي بالبلاد؟!
ويرجع انتشار ظاهرة سماسرة الانتخابات إلى العقليات الحزبية التي تملأ المشهد الحزبي الوطني والتي تتسابق في كل الاتجاهات لأجل ضمان استمرار وجودها داخل المؤسسات المنتخبة للمحافظة على مستوى تأثيرها داخل المشهد السياسي بواسطة القوة العددية لمنتخبيها داخل المؤسسات التشريعية أو المجالس الجماعية ، وأثناء هذا السباق العجيب في اتجاه حصد المقاعد البرلمانية أو الجماعية على الخصوص، تستعمل هذه المؤسسات الحزبية كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة في سبيل تحقيق غاياتها الانتخابية ولو على عاتق الديمقراطية، ويتجلى هذا الأمر واضحا من خلال العينات التي تترشح باسم هذه الأحزاب والتي يدخل معظمها ضمن خانة، الأعيان/ بارونات المخدرات / الباطرونات / أصحاب الشكارة، مما يؤكد أن غاية الأحزاب تبرر وسيلتها في تزكية هؤلاء عوض مناضليها وأطرها، الشيء الذي أرجع بموجبه هؤلاء المراقبين المسؤولية للمؤسسات الحزبية محملين إياها الجزء الكبير في نسبة الأعطاب التي تخللت المسيرة الديمقراطية بالبلاد، خاصة وأن دستور المملكة قد أوكل للأحزاب مهمة تأطير المجتمع وتوجيهه بما يضمن التأسيس لبناء ديمقراطي يؤهل البلاد للانخراط في المنظومة الديمقراطية العالمية على الوجه الذي يشرفها. لقد انتشرت هذه الظاهرة بالمغرب لأسباب عديدة، أهمها الفساد الانتخابي الذي ساد لعقود، وتدني مستوى المنتخَبين، وجريهم وراء الامتيازات... لذلك ليس غريبا أن يندمج الناخب في اللعبة فيبحث بدوره عن مقابل مادي ظرفي.
وتعتبر ظاهرة "وسطاء وسماسرة الانتخابات" ظاهرة جزئية ترتبط بظاهرة عامة تقترن بغياب الديمقراطية السياسية على صعيد المجتمع المغربي ككل، فهي مجرد آلية لتحقيق هدف ترسيخ مشهد سياسي تنعدم فيه أسس النزاهة والشفافية واحترام إرادة الهيئة الناخبة، لذلك تبقى هذه الظاهرة مرتبطة بالعمليات الانتخابية عبر جميع مراحلها، ومرتبطة إلى حد كبير بطبيعة النظام السياسي القائم وكيفية إدارته للشأن العام بالمغرب، لأن غياب الإرادة السياسية لدمقرطة المجتمع تفتح المجال للعديد من المظاهر والظواهر السلبية لخلق مؤسسات مشوهة لا تعكس الإرادة الحقيقية للكلتة الناخبة ولا تنتج مؤسسات ذات مصداقية وفعالية، ومن بين هذه الظواهر هؤلاء "الوسطاء"، ويمكن القول بأن لهذه المظاهر السيئة ارتباط بأجهزة الدولة، الساهرة على العملية الانتخابية والتي تعمل دون هوادة على ترجيح كفة لون سياسي معين عن بقية الألوان السياسية الأخرى، لخلق خريطة سياسية على المقاس وتمرير أعيان من خلال هذه الانتخابات لمجارات السلطة في مختلف المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، من جهة أخرى هناك كتلة منتخبة عن طريق التزوير والفساد والتدخلات، تتحكم في العديد من المؤسسات الجماعية، تقوم هي الأخرى بدور "الوساطة" عن طريق وسطائها الصغار من المواطنين، ووسطاء من الموظفين الجماعيين، كما تستغل الممتلكات العمومية وتوظف المال العمومي لاستمالة الكتلة الناخبة،وتسخر خدماتها في العديد من الجوانب الحياتية غير القانونية مقابل ضمان أصوات الهيئة الناخبة، والدليل أنه مع اقتراب أي موعد انتخابي تبرز إلى السطح ظاهرة البناء غير المرخص والبناء العشوائي وتنتعش بشكل خطير جدا، لهذا أقول بأن ظاهرة الوسطاء تبقى ظاهرة سياسية في العمق، وما هي إلا تجلي واضح لغياب الديمقراطية بالمغرب.
وفي الواقع فان أغلب هؤلاء الوسطاء أو السماسرة ينتمون للأحزاب السياسية المغربية مع العلم أن أحزابهم ترفع شعارات النزاهة والشفافية والاختيار الحر وما إلى ذلك من الشعارات المشابهة. وتستفيد أغلب الأحزاب المغربية من خدمات "سماسرة الانتخابات ، فالأحزاب التي كانت تستفيد من التزوير سابقا تريد أن تثبت أن نتائجها هي نفسها وبالتالي فإنها كانت ولا تزال ضمن أية ترتيبات يتم تحضيرها للمستقبل . وأما الأحزاب التي كانت تعتمد على الإقناع في جلب الأصوات، فإن مشاركتها في الحكومة في السنوات الأخيرة بدأت تنزع عنها مصداقية خطابها نتيجة عوامل عديدة، لذا لم يصبح أمامها إلا الاستمرار في التواجد على الساحة بكل الطرق الممكنة ولو بواسطة الاستنجاد بالسماسرة والوسطاء . ويمكن أن نخلص إلى أن التناقض الذي قد يقع فيه حزب ينبذ ظاهرة اللجوء إلى سماسرة الانتخابات، يكمن في أن التركيز لحد الآن يتم على "استعمال المال" لكن لا زال الحديث محتشما بخصوص "استعمال الخدمات" (الانتقالات، تسوية الأوضاع الإدارية، شراء أدوية، أضحية العيد....)، وهي كلها خدمات يمكن أن يدرجها الطرف المعني ضمن الخدمات الاجتماعية أو الإنسانية أو حتى البر والإحسان.
وهكذا فان الكل يتحمل المسؤولية في انتشار هذه الآفة السياسية ، فالدولة تتحمل المسؤولية وهي منطقية مع نفسها لأنها تعمل على إقامة مشهد سياسي محدد، ومضبوط على مقاسات معنية، يخضع لتوازنات محددة للتحكم في سير العملية السياسية بالبلاد، ومؤسسات المجتمع المدني تتحمل هي الأخرى المسؤولية لأنها لا زالت تحارب مظاهر هذه الآفة بشكل محتشم وبعض الجمعيات الحزبية تتحول بدورها إلى لعب دور الوساطة في الحملة الانتخابية ، والأحزاب هي الأخرى تتحمل مسؤولياتها لأنها تقبل بالتزوير طالما أنه يخدم مصالحها وفي حالات العكس ترفضه وتحتج على نتائجه، لذلك يبقى مفروضا على الأحزاب السياسية أن تخلق نفسها من خلال اختيارها للمرشحين وأن تحرص على توفرهم على شروط المصداقية والنزاهة والاستقامة، وهذا الجانب رغم أهميته إلا أن المؤسسات الحزبية، لا تراعيه حق مراعاته فقط يحركها هاجس حصد أغلبية الأصوات ونفخ عدد المقاعد داخل المؤسسات المنتخبة، لتوفر بواسطتها شروطا مريحة داخل المؤسسة التشريعية او المجالس الجماعية ، ومن مظاهر السلوكات السياسية للأحزاب أنها لم تعد تعتمد على مناضليها في الانتخابات، بل أصبحت تعتمد على أعيان القبائل وعلى باطرونات التمويل، دون أدنى اعتبار لعامل المصداقية والاستقامة، لذلك فإن الفساد لم يعد منحصرا في مؤسسات الدولة، بل امتدت إلى جوف الأحزاب، مما شوه ملامح المشهد السياسي وأفرغه في مصداقيته، الشيء الذي ترتبت عنه ظاهرة العزوف عن التصويت من طرف أفواج هائلة من الكتلة الناخبة، لأن حجم الإمساك عن الانتخابات وعدم المشاركة في العمليات السياسية يتزايد بشكل مخيف بالمغرب، والمسؤولية في هذا تبقى مسؤولية مشتركة.
وأعتقد أن الآثار السلبية التي تلحقها هذه الظاهرة تمس مستويين: المستوى الأول يتمثل في المس بشكل واضح في نزاهة العملية الانتخابية. فالناخب لم يعبر عن إرادته ولكنه باعها وقبض الثمن، وبالتالي فالاقتراع هنا لم يكن حرا ولا نزيها، بل وستكون الحصيلة كارثية بصفة عامة، لأننا سنكون أمام هيئة تمثيلية مغشوشة: فقلب الناخب في جهة وتصويته في جهة أخرى. لذا فإن كلما يتعلق بالترشيح والحملة الانتخابية، والإقناع والتأطير سيتراجع لتحل محله السمسرة، البيع والشراء،الامتيازات.... وهذا لن يسمح للبلاد بالتقدم في الاتجاه الصحيح. لكن الأخطر من كل هذا، هو المستوى الثاني الذي يهم ما بعد الاقتراع، حيث أنه مرة أخرى سيحرم الناخب نفسه من حقه في محاسبة المرشح الفائز. فلا يمكنه أن يلومه أو حتى أن يسأله أو يطلب منه خدمة أخرى، لأن الناخب/البائع قد قبض الثمن، والمنتخَب/المشتري أصبح حرا في البضاعة التي اشتراها. وتأسيسا على ما ورد ذكره يمكن القول بأن التخلص من هذه الممارسات المرضية، يقتضي برنامجا طويل الأمد. لكن هناك بعض التدابير التي يمكن الشروع في تطبيقها ما دامت لا تتطلب أية ميزانيات. فمن جهة أولى ينبغي سن نصوص قانونية أو إضافة بنود إلى القوانين الانتخابية الحالية تسمح للمجتمع المدني أن يتدخل عبر كل المراحل من خلال جمعياته وشبكاته تعزيزا لمصداقية الاقتراع، بل والسماح لها بأن تكون طرقا في كل القضايا التي تمس سير الاقتراع سواء أمام الهيئات الإدارية أو القضائية أو الإعلامية .ومن جهة أخرى، ينبغي الشروع في عقلنه وضعية المنتخَب من خلال تقليص الحصانة إلى أقصى حد ممكن، وتخفيض الرواتب والامتيازات . ويبقى السبيل الوحيد من أجل تجاوز هذه السلبيات التي ساهمت في تعطيل مسيرة البناء الديمقراطي بالمغرب، هو بناء الديمقراطية بمؤسسات ذات مصداقية وأن يحصل فصل سلط حقيقي بالبلاد، وأن تكون التشريعات تتضمن روح الديمقراطية، وتحترم إرادة الناخبين وأن تكون هناك آليات لتفعيل هذه المنظومة والترسانة القانونية التشريعية والإدارية التي تضمن الحفاظ على صوت الهيئة الناخبة، لأنه لا يعقل أن يتم استغلال الفاقة والحاجة والخصاص الذي يحيط بحياة المواطنين واستغلال القضايا التي تحتاج إلى حل، لاستمالة المواطنين للتصويت لفائدة جهة معينة، هذا الشكل اعتبره شخصيا تحقيرا للمواطنين وهذا في صلبه يؤثر على بناء ديمقراطية حقيقية، لذلك فإننا بحاجة إلى معركة جديدة للديمقراطية لا تنحصر في محاولة كسب أصوات الناخبين والمقاعد، إنما يجب أن تفعل وترسخ التربية على تقوية روح المواطنة، ليصبح بالفعل المواطن هو قلب العملية الانتخابية، لأنه كلما تحرر المواطن من مظاهر السمسرة و الاستلاب، كلما تمكن من الحسم في تحقيق ديمقراطية حقيقية.
0 Response to "حول ظاهرة سماسرة الانتخابات بقلم امحمد عزيز"
إرسال تعليق