بقلم محمد الحنفي
مقدمة :
كلما حلت الانتخابات الجماعية إلا ونجد حضور الاهتمام المتزايد عند المواطن العادي قبل المواطن المنتمي إلى حزب معين وقبل المتحمل لإحدى مستويات المسؤولية في الأجهزة المشرفة على تنظيم الانتخابات سواء كانت ذات بعد وطني ،أو ذات بعد محلي . وحضور الاهتمام عند المواطن العادي ليس من أجل الانخراط فيها ولا من أجل الرهان على نزاهتها ولا من أجل الانخراط فيها ولا من أجل الرهان على نزاهتها ، ولا من اجل كونها تفرز مسؤولين جماعيين يتحملون مسؤولية خدمة مصالح المواطنين الآنية والمحلية .بل في تحمل المسؤوليات الجماعية أو ظهور مسؤولين جدد يدخلون مباشرة في استغلال الموارد الجماعية وأمام أنظار الجهة الوصية من أجل إحداث تراكم رأسمالي ينقلهم من وضعية الانسحاق التي كانوا يعانون منها إلى وضعية التسلق المتسارع في اتجاه التمركز إلى جانب البورجوازيين التابعين والإقطاعيين وشبه الإقطاعيين . ولذلك فالمواطن يعتبر الانتخابات مناسبة لوصول أناس إلى درجة الانتفاخ إلى درجة الفرقعة أو الذين يأخذون طريقهم نحو الانتفاخ فهي إذن مناسبة لتفريغ البورجوازية بصيغتها المغربية التي لا علاقة لها بالبورجوازية الحقيقية على مستوى العقلية وعلى مستوى الممارسة . وبذلك نجد المواطن العادي أكثر بعدا من أن يعتبر الانتخابات الجماعية مناسبة للاختيار الحر والنزيه للبرامج والأشخاص . سواء تعلق الأمر بالتصويت بواسطة اللائحة أو بالتصويت الفردي . لأنه في كلتا الحالتين يعود الأمر إلى الجهات الوصية التي لها وحدها الحق في إخراج الانتخابات حسب تصورها .
الانتخابات الجماعية بين المفهوم والواقع :
فهل يمكن أن تقوم انتخابات جماعية حقيقية انطلاقا من الشعارات التي ترفعها الجهات المسؤولة عن الإعداد لها ، أو التي تروج لها الأحزاب الحكومية ؟أو أحزاب المعارضة الرسمية ؟ إننا عندما نخضع الانتخابات الجماعية للنقاش فإنه يجب علينا أن نميز بين مستويين : مستوى المفهوم ، ومستوى الواقع .
فعلى مستوى المفهوم نجد أن الانتخابات الجماعية هي مناسبة لتمكين الشعب المغربي من الاختيار الحر والنزيه لممثليه الحقيقين في إطار المناقشة الحرة والنزيهة . وفي مناخ ديموقراطي حقيقي يتمتع فيه جميع أفراد الشعب المغربي بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية دون ضغط أو توجيه من أية جهة ، وثقة الناخبين والمواطنين بصفة عامة من جهة أخرى حتى يشعر الأعضاء الجماعيون بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويتحملون مسؤولية التسيير الجماعي بنزاهة واحترام ما التزموا به أمام الناخبين من جهة وأمام الرأي العام المحلي والوطني من جهة أخرى من اجل أن تلعب الجماعات المحلية دورها الكامل في التنمية المحلية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لاخراج المواطن البسيط من دائرة التخلف المصحوب باليأس إلى دائرة التقدم و الأمل في المستقبل . لأن العمل الجماعي هو ممارسة يومية ، ومواكبة مستديمة لما يجري في الحياة ، وتنظيم لما يجري في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية عن طريق الاحتكاك المباشر بالشؤون العامة للجماعة المحلية .التي يتجول فيها الاعضاء الجماعيون الشرفاء إلى هيئة للتقرير والتنفيذ في نفس الوقت . في الأمور التي تهم مسار الحياة العامة . والتي تهم في نفس الوقت مسار الحياة الخاصة الأفراد والأمر .
أما على مستوى والواقع فإن الأمر يختلف من منطلق أن الانتخابات الجماعية تختبر مناسبة للتباري في شراء الضمائر من أجل الحصول على الأغلبية للتمكن من السيطرة على مكتب المجلس والوصول إلى الرئاسة التي تعتبر وسيلة للتصرف المطلق في مواريث الجماعة وفي ممتلكاتها وتسخير كل ذلك في تحقيق الإثراء السريع سواء تعلق الأمر بالرئيس أو بأعضاء المكتب والأعضاء الموالين له أو بعض الموظفين المتصرفين الذين يعرفون من أين تأكل الكتف ويستغلون هم الرئيس وحاشيته للوصول إلى تحقيق الثراء الذي لا يتناسب أبدا لا من قريب ولا من بعيد مع حجم دخلهم من وظائفهم الجماعية . ودون حياء يذكر من المواطنين البسطاء الذين يعملون السر و أخفى عن ممارسة من يتمكن من التصرف في موارد الجماعة سواء كان عضوا جماعيا ،أو موظفا متصرفا .والتباري في شراء الذمم كما حصل في مختلف المحطات الانتخابية الجماعية والبرلمانية أصبح مرضا عضالا يؤدي إلى تحقيق هدفين أساسين :
الهدف الأول : جعل قطاع عريض من الناخبين ومن المواطنين البسطاء مصابون باليأس من الانتخابات كيفما كانت هويتها لافتقادها لشروط النزاهة والاختيار الحر ولغياب برامج جماعية تمس اهتمام المواطن ورغبته في تغيير أوضاع البلاد لاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
والهدف الثاني : تمكين الجهة الوصية والمشرفة على إجراء الانتخابات في نفس الوقت من اجل فبركة نتائج الانتخابات وفق ما تقتضيه مصلحتها . وإرضاء الأحزاب التي تبرهن عن خدمتها واستجابتها وقبولها لما تقرره الجهة الوصية والمشرفة على إجراء الانتخابات .
وبذلك تكون الانتخابات الجماعية كسابقاتها بعيدة عن أن تكون حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة المواطنين أنى كانت هذه الجماعة. وبعدها عن النزاهة والاحترام وإرادة المواطنين يجعل منها مناسبة لإفراز مجالس لا علاقة لها إلا بنهب المداخيل الجماعية لحساب الأعضاء والمتصرفين الجماعيين ودون وجود هيأة للمراقبة ولمحاسبة والتتبع اليومي لما يجري في الجماعات المحلية .
عوامل إفساد العملية الانتخابية :
و في اعتقادي إن فساد العملية الانتخابية لا يأتي هكذا و بطريقة تلقائية خارجة عن إرادة الأحزاب، و الأعضاء الجماعيين و عن إرادة الجهة الوصية و المشرفة في نفس الوقت بل إن فساد العملية الانتخابية هو نتيجة لمجموعة من العوامل التي إذا أضفناها إلى غياب دستور يكرس سيادة الشعب على نفسه، و غياب ممارسة ديمقراطية حقيقية، و غياب قوانين انتخابية و بضمانات تحول دون قيام ما يشوب العملية الانتخابية من أشكال التزوير، فإنها تمكننا من الخروج بخلاصة أساسية، و هذه الخلاصة هي " إن إجراء الانتخابات في ظل غياب شروط نزاهتها ضرب من العبث بمصير البلاد و العباد" و هذه العوامل هي :
1) لوائح الناخبين التي يشوبها الكثير من العيوب كما تعترف بذلك الكثير من الجهات. مما يجعلها فاقدة للمصداقية. و كان يجب أن يتم إلغاؤها، و أن يتم إعداد لوائح جديدة بناء على مقاييس محددة تجعل اللوائح مقبولة لدى الرأي العام و تكتسب مصداقية نسبية.
2) التقطيع الانتخابي الذي وضع ليخدم مصالح المؤسسة المخزنية من جهة، و إرضاء لجهات معينة بحكم مسؤوليتها الجماعية و البرلمانية حتى تضمن تواجدها في المؤسسات المنتخبة. و لذلك كان المفروض أن يعاد النظر في التقطيع الانتخابي. و على المستوى الجماعي و على المستوى الوطني، مع مراعاة مصالح السكان في ذلك التقطيع، و تغييب كل الحسابات الضيقة التي تستحضرها المؤسسة المخزنية أو الأحزاب التي تسبح في فلكها.
3) تحكم وزارة الداخلية و أجهزتها المحلية في إجراء الانتخابات و إخراج النتائج وفق ما تراه هي خاصة و أن تاريخ التزوير ارتبط بالخصوص بوزارة الداخلية. و لذلك فاستمرارها في الإشراف على إجراء الانتخابات يعتبر في حق المغرب. و كان يجب إنشاء هيأة مستقلة عن أجهزة الدولة للإشراف على الانتخابات ابتداء بوضع لوائح الناخبين و انتهاء بإعلان النتائج، مع إعطائها الصلاحية القانونية و السياسية الكاملة التي تمكنها من وضع حد للخروقات التي ترتكب في جميع المراحل في حينها و تقدم إلى القضاء كل المرتكبين لتلك الخروقات مهما كانت هويتهم.
4) طبيعة الحملة الانتخابية التي لا تكتفي بتقديم البرنامج إلى الناخبين و العمل على شرحه، بقدر ما يعمل المرشحون أثناءها على الاتجار في الضمائر و القيام بأعمال مسيئة إلى كرامة الناخبين، كإقامة الولائم، و توزيع المال الذي لا يعرف أحد مصدره، و تقديم الخمور إلى المهمشين، و ترويج المخدرات بشكل ملفت للانتباه، و تشكيل عصابات للانتقام من اتباع المرشحين الآخرين و أشياء أخرى، و أمام أنظار السلطات الوصية، التي لا تحرك ساكنا. و كان المفروض أن تتحرك الجهات المسؤولة لمنع كل ذلك باعتبارها خروقات انتخابية يعاقب عليها القانون، و العمل على تفعيل الجهاز القضائي الذي يجب أن يلعب دوره أثناء الحملة الانتخابية لصالح ضمان إجراء انتخابات حرة و نزيهة.
5) اعتبار الإدلاء بالأصوات مجرد مناسبة لابتزاز ديمقراطية الواجهة، ليتلاعب المشرفون على المكاتب الانتخابية في النتائج، و بموافقة ممثلي الهيئات السياسية في معظم الأحيان أو أن المحاضر المعتمدة تكون معدة مسبقا حتى يتم التحكم في النتائج و كان المفروض أن يعتبر الإدلاء بأصوات الناخبين عملا مقدسا يجب احترامه لكونه يعبر عن إرادة الشعب المغربي، و أن تحترم النتائج التي تسفر عنها عملية التصويت باعتبارها تعبيرا عن إرادة الشعب المغربي الذي تعتبر الانتخابات وسيلة لفرض سيادته على المسؤولين لا العكس. كما يحصل الآن حيث يعتبر التصويت مناسبة لفرض سيادة المؤسسة المخزنية، و من يسبح في فلكها.
6) و الكارثة الأعظم أن نتائج الانتخابات لا تكون تعبيرا عن إرادة الناخبين، و انطلاقا من صناديق الاقتراع، و دون ضغط من أية جهة، كيفما كانت. على أساس الاختيار الحر و النزيه بل تأتي نتيجة لما تختاره الجهة الوصية التي تعطي نفسها الحق في التلاعب بالنتائج لصالح هذه الجهة أو تلك. و تبعا لما تقتضيه مصلحتها. و لذلك فاعلان النتائج لا يمكن اعتباره إلا تدبيرا مخزنيا لعملية الانتخابات، و العمل على جعل النتائج في خدمة الهياكل القائمة، و ليس في خدمة الشعب المغربي الذي عليه أن يستمر في التضحية بمستقبل أبنائه ليبقى الذين تختارهم الجهات الوصية في طريقهم إلى التسلق الطبقي عن طريق استغلال الموارد الجماعية التي تستهدف كنس جيوب المواطنين.
فهل في مثل حالتنا تجرى انتخابات حرة و نزيهة ؟ إن الناخبين يعرفون، و الذين تختارهم الجهات الوصية كمنتخبين يعرفون، و المسؤولون يعرفون أن الشروط القائمة في المغرب بصفة عامة، و في منطقة الرحامنة بصفة خاصة، لا يمكن أن تفرز انتخابات حرة و نزيهة. فنسبة الفقر تفوق كل التقديرات، و الذين يستغلون المنطقة هم كمشة من الإقطاعيين و شبة الإقطاعيين، و من البورجوازية المتعفنة التي تنهب خيرات المنطقة بشراهة، و فرص الشغل منعدمة، و المعطلون الذين يحملون مؤهلات مختلفة يتزايدون سنة بعد سنة، و الارشاء و الارتشاء يضرب اطنابه في علاقة الإدارة أنى كانت هويتها بالمواطنين. و لذلك، و انطلاقا مما رأيناه أعلاه، فإن إجراء انتخابات حرة و نزيهة يحتاج إلى تغيير تلك الشروط، فهل يمكن الحديث عن افق لتغيير تلك الشروط ؟ هل يتم تغيير الدستور القائم بدستور يكرس سيادة الشعب المغربي ؟ هل يتم تغيير اللوائح الانتخابية القائمة بلوائح ذات مصداقية ؟ هل يعاد النظر في القوانين الانتخابية بما يتناسب مع ضمان سيادة الشعب على نفسه، و بما يضمن وضع حد لكل الخروقات التي تعرفها الانتخابات في مختلف المحطات؟ هل يتم تشكيل حكومة للإنقاذ الوطني من اجل إجراء الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية الضرورية لإجراء انتخابات حرة و نزيهة ؟ هل يتم تشكيل هيأة مستقلة للإشراف على نزاهة الانتخابات ؟ يقوم القضاء بدوره في وضع حد للخروقات التي تشوب عملية الانتخابات في مراحلها المختلفة ؟ هل تحترم إرادة الناخبين ؟
خاتمة :
و الخلاصة التي نصل إليها أن حالتنا على المستوى الوطني، و على المستوى المحلي في حاجة إلى تفحص عميق للأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية لمعرفة هل البنيات القائمة في المغرب هي التي تقف وراء التزوير ؟ أم أن ما يجري في الانتخابات تخطط له، و تنفذه الجهة الوصية ؟ و لما يقبل المواطنون بالنتائج التي يعلمون أنها مزورة ؟ و لماذا ترفض أحزاب معينة نتائج الانتخابات و تقبل بالبقاء في المؤسسات المزورة ؟ لماذا لا تنظم حملات للدعوة إلى حل المجالس التي يتبين الجميع أنها مزورة ؟ لماذا لا يوضع حد للاتجار في الضمائر في مختلف المحطات الانتخابية ؟ لماذا لا يتم تجريم إقامة الولائم في الحملات الانتخابية ؟ لماذا يقبل المشاركون في الانتخابات بالدستور الممنوح، و يمسكون عن المطالبة بالإصلاحات الدستورية كما كان يحصل من قبل ؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات ستقودنا إلى معرفة جوهر المشكل في العملية الانتخابية. و بالتالي فإن إيجاد حل لذلك المشكل يقتضي وجود برنامج نضالي ديمقراطي يساهم في وضعه المخلصون إلى هذا الشعب، و إلى تاريخه النضالي، و يعمل على أجرأة تنفيذه في مراحل محددة لأجل :
- إعادة النظر في الدستور حتى يصبح دستورا شعبيا.
- إعادة النظر في الهياكل الإدارية التي تمرست على التزوير الذي اصبح بالنسبة لها مرضا عضالا.
- إعادة النظر في القوانين الانتخابية حتى تكون ضامنة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة.
- إعادة النظر في الجهة التي تشرف على الانتخابات.
- تفعيل الجهاز القضائي حتى يلعب دوره في المحطات الانتخابية.
- وقبل ذلك و بعده معالجة مختلف المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية باعتبارها مشاكل تساعد على التزوير.
و أي مشاركة في الانتخابات بدون حصول تغيير لصالح إجراء انتخابات حرة و نزيهة يعتبر ضربا من العبث، سواء كان التصويت فرديا أو باللائحة.
و في أفق إعادة النظر في مختلف المشاكل المطروحة، و العمل على إيجاد حلول لها، فليتنافس المتنافسون المخلصون و الغيورون على الشعب المغربي الذي قدر للانتخابات التي عرفها أن تكون مزورة، و قدر للأحزاب التي تدعي تمثيله أن تقبل بذلك التزوير، و أن تستفيد منه لحساب التسلق البورجوازي. و هو ما يحسب على هذه الأحزاب لا لها... و للكلام بقية.
محمد الحنفي
ابن جرير في 11/2/2003
كلما حلت الانتخابات الجماعية إلا ونجد حضور الاهتمام المتزايد عند المواطن العادي قبل المواطن المنتمي إلى حزب معين وقبل المتحمل لإحدى مستويات المسؤولية في الأجهزة المشرفة على تنظيم الانتخابات سواء كانت ذات بعد وطني ،أو ذات بعد محلي . وحضور الاهتمام عند المواطن العادي ليس من أجل الانخراط فيها ولا من أجل الرهان على نزاهتها ولا من أجل الانخراط فيها ولا من أجل الرهان على نزاهتها ، ولا من اجل كونها تفرز مسؤولين جماعيين يتحملون مسؤولية خدمة مصالح المواطنين الآنية والمحلية .بل في تحمل المسؤوليات الجماعية أو ظهور مسؤولين جدد يدخلون مباشرة في استغلال الموارد الجماعية وأمام أنظار الجهة الوصية من أجل إحداث تراكم رأسمالي ينقلهم من وضعية الانسحاق التي كانوا يعانون منها إلى وضعية التسلق المتسارع في اتجاه التمركز إلى جانب البورجوازيين التابعين والإقطاعيين وشبه الإقطاعيين . ولذلك فالمواطن يعتبر الانتخابات مناسبة لوصول أناس إلى درجة الانتفاخ إلى درجة الفرقعة أو الذين يأخذون طريقهم نحو الانتفاخ فهي إذن مناسبة لتفريغ البورجوازية بصيغتها المغربية التي لا علاقة لها بالبورجوازية الحقيقية على مستوى العقلية وعلى مستوى الممارسة . وبذلك نجد المواطن العادي أكثر بعدا من أن يعتبر الانتخابات الجماعية مناسبة للاختيار الحر والنزيه للبرامج والأشخاص . سواء تعلق الأمر بالتصويت بواسطة اللائحة أو بالتصويت الفردي . لأنه في كلتا الحالتين يعود الأمر إلى الجهات الوصية التي لها وحدها الحق في إخراج الانتخابات حسب تصورها .
الانتخابات الجماعية بين المفهوم والواقع :
فهل يمكن أن تقوم انتخابات جماعية حقيقية انطلاقا من الشعارات التي ترفعها الجهات المسؤولة عن الإعداد لها ، أو التي تروج لها الأحزاب الحكومية ؟أو أحزاب المعارضة الرسمية ؟ إننا عندما نخضع الانتخابات الجماعية للنقاش فإنه يجب علينا أن نميز بين مستويين : مستوى المفهوم ، ومستوى الواقع .
فعلى مستوى المفهوم نجد أن الانتخابات الجماعية هي مناسبة لتمكين الشعب المغربي من الاختيار الحر والنزيه لممثليه الحقيقين في إطار المناقشة الحرة والنزيهة . وفي مناخ ديموقراطي حقيقي يتمتع فيه جميع أفراد الشعب المغربي بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية دون ضغط أو توجيه من أية جهة ، وثقة الناخبين والمواطنين بصفة عامة من جهة أخرى حتى يشعر الأعضاء الجماعيون بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويتحملون مسؤولية التسيير الجماعي بنزاهة واحترام ما التزموا به أمام الناخبين من جهة وأمام الرأي العام المحلي والوطني من جهة أخرى من اجل أن تلعب الجماعات المحلية دورها الكامل في التنمية المحلية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لاخراج المواطن البسيط من دائرة التخلف المصحوب باليأس إلى دائرة التقدم و الأمل في المستقبل . لأن العمل الجماعي هو ممارسة يومية ، ومواكبة مستديمة لما يجري في الحياة ، وتنظيم لما يجري في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية عن طريق الاحتكاك المباشر بالشؤون العامة للجماعة المحلية .التي يتجول فيها الاعضاء الجماعيون الشرفاء إلى هيئة للتقرير والتنفيذ في نفس الوقت . في الأمور التي تهم مسار الحياة العامة . والتي تهم في نفس الوقت مسار الحياة الخاصة الأفراد والأمر .
أما على مستوى والواقع فإن الأمر يختلف من منطلق أن الانتخابات الجماعية تختبر مناسبة للتباري في شراء الضمائر من أجل الحصول على الأغلبية للتمكن من السيطرة على مكتب المجلس والوصول إلى الرئاسة التي تعتبر وسيلة للتصرف المطلق في مواريث الجماعة وفي ممتلكاتها وتسخير كل ذلك في تحقيق الإثراء السريع سواء تعلق الأمر بالرئيس أو بأعضاء المكتب والأعضاء الموالين له أو بعض الموظفين المتصرفين الذين يعرفون من أين تأكل الكتف ويستغلون هم الرئيس وحاشيته للوصول إلى تحقيق الثراء الذي لا يتناسب أبدا لا من قريب ولا من بعيد مع حجم دخلهم من وظائفهم الجماعية . ودون حياء يذكر من المواطنين البسطاء الذين يعملون السر و أخفى عن ممارسة من يتمكن من التصرف في موارد الجماعة سواء كان عضوا جماعيا ،أو موظفا متصرفا .والتباري في شراء الذمم كما حصل في مختلف المحطات الانتخابية الجماعية والبرلمانية أصبح مرضا عضالا يؤدي إلى تحقيق هدفين أساسين :
الهدف الأول : جعل قطاع عريض من الناخبين ومن المواطنين البسطاء مصابون باليأس من الانتخابات كيفما كانت هويتها لافتقادها لشروط النزاهة والاختيار الحر ولغياب برامج جماعية تمس اهتمام المواطن ورغبته في تغيير أوضاع البلاد لاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
والهدف الثاني : تمكين الجهة الوصية والمشرفة على إجراء الانتخابات في نفس الوقت من اجل فبركة نتائج الانتخابات وفق ما تقتضيه مصلحتها . وإرضاء الأحزاب التي تبرهن عن خدمتها واستجابتها وقبولها لما تقرره الجهة الوصية والمشرفة على إجراء الانتخابات .
وبذلك تكون الانتخابات الجماعية كسابقاتها بعيدة عن أن تكون حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة المواطنين أنى كانت هذه الجماعة. وبعدها عن النزاهة والاحترام وإرادة المواطنين يجعل منها مناسبة لإفراز مجالس لا علاقة لها إلا بنهب المداخيل الجماعية لحساب الأعضاء والمتصرفين الجماعيين ودون وجود هيأة للمراقبة ولمحاسبة والتتبع اليومي لما يجري في الجماعات المحلية .
عوامل إفساد العملية الانتخابية :
و في اعتقادي إن فساد العملية الانتخابية لا يأتي هكذا و بطريقة تلقائية خارجة عن إرادة الأحزاب، و الأعضاء الجماعيين و عن إرادة الجهة الوصية و المشرفة في نفس الوقت بل إن فساد العملية الانتخابية هو نتيجة لمجموعة من العوامل التي إذا أضفناها إلى غياب دستور يكرس سيادة الشعب على نفسه، و غياب ممارسة ديمقراطية حقيقية، و غياب قوانين انتخابية و بضمانات تحول دون قيام ما يشوب العملية الانتخابية من أشكال التزوير، فإنها تمكننا من الخروج بخلاصة أساسية، و هذه الخلاصة هي " إن إجراء الانتخابات في ظل غياب شروط نزاهتها ضرب من العبث بمصير البلاد و العباد" و هذه العوامل هي :
1) لوائح الناخبين التي يشوبها الكثير من العيوب كما تعترف بذلك الكثير من الجهات. مما يجعلها فاقدة للمصداقية. و كان يجب أن يتم إلغاؤها، و أن يتم إعداد لوائح جديدة بناء على مقاييس محددة تجعل اللوائح مقبولة لدى الرأي العام و تكتسب مصداقية نسبية.
2) التقطيع الانتخابي الذي وضع ليخدم مصالح المؤسسة المخزنية من جهة، و إرضاء لجهات معينة بحكم مسؤوليتها الجماعية و البرلمانية حتى تضمن تواجدها في المؤسسات المنتخبة. و لذلك كان المفروض أن يعاد النظر في التقطيع الانتخابي. و على المستوى الجماعي و على المستوى الوطني، مع مراعاة مصالح السكان في ذلك التقطيع، و تغييب كل الحسابات الضيقة التي تستحضرها المؤسسة المخزنية أو الأحزاب التي تسبح في فلكها.
3) تحكم وزارة الداخلية و أجهزتها المحلية في إجراء الانتخابات و إخراج النتائج وفق ما تراه هي خاصة و أن تاريخ التزوير ارتبط بالخصوص بوزارة الداخلية. و لذلك فاستمرارها في الإشراف على إجراء الانتخابات يعتبر في حق المغرب. و كان يجب إنشاء هيأة مستقلة عن أجهزة الدولة للإشراف على الانتخابات ابتداء بوضع لوائح الناخبين و انتهاء بإعلان النتائج، مع إعطائها الصلاحية القانونية و السياسية الكاملة التي تمكنها من وضع حد للخروقات التي ترتكب في جميع المراحل في حينها و تقدم إلى القضاء كل المرتكبين لتلك الخروقات مهما كانت هويتهم.
4) طبيعة الحملة الانتخابية التي لا تكتفي بتقديم البرنامج إلى الناخبين و العمل على شرحه، بقدر ما يعمل المرشحون أثناءها على الاتجار في الضمائر و القيام بأعمال مسيئة إلى كرامة الناخبين، كإقامة الولائم، و توزيع المال الذي لا يعرف أحد مصدره، و تقديم الخمور إلى المهمشين، و ترويج المخدرات بشكل ملفت للانتباه، و تشكيل عصابات للانتقام من اتباع المرشحين الآخرين و أشياء أخرى، و أمام أنظار السلطات الوصية، التي لا تحرك ساكنا. و كان المفروض أن تتحرك الجهات المسؤولة لمنع كل ذلك باعتبارها خروقات انتخابية يعاقب عليها القانون، و العمل على تفعيل الجهاز القضائي الذي يجب أن يلعب دوره أثناء الحملة الانتخابية لصالح ضمان إجراء انتخابات حرة و نزيهة.
5) اعتبار الإدلاء بالأصوات مجرد مناسبة لابتزاز ديمقراطية الواجهة، ليتلاعب المشرفون على المكاتب الانتخابية في النتائج، و بموافقة ممثلي الهيئات السياسية في معظم الأحيان أو أن المحاضر المعتمدة تكون معدة مسبقا حتى يتم التحكم في النتائج و كان المفروض أن يعتبر الإدلاء بأصوات الناخبين عملا مقدسا يجب احترامه لكونه يعبر عن إرادة الشعب المغربي، و أن تحترم النتائج التي تسفر عنها عملية التصويت باعتبارها تعبيرا عن إرادة الشعب المغربي الذي تعتبر الانتخابات وسيلة لفرض سيادته على المسؤولين لا العكس. كما يحصل الآن حيث يعتبر التصويت مناسبة لفرض سيادة المؤسسة المخزنية، و من يسبح في فلكها.
6) و الكارثة الأعظم أن نتائج الانتخابات لا تكون تعبيرا عن إرادة الناخبين، و انطلاقا من صناديق الاقتراع، و دون ضغط من أية جهة، كيفما كانت. على أساس الاختيار الحر و النزيه بل تأتي نتيجة لما تختاره الجهة الوصية التي تعطي نفسها الحق في التلاعب بالنتائج لصالح هذه الجهة أو تلك. و تبعا لما تقتضيه مصلحتها. و لذلك فاعلان النتائج لا يمكن اعتباره إلا تدبيرا مخزنيا لعملية الانتخابات، و العمل على جعل النتائج في خدمة الهياكل القائمة، و ليس في خدمة الشعب المغربي الذي عليه أن يستمر في التضحية بمستقبل أبنائه ليبقى الذين تختارهم الجهات الوصية في طريقهم إلى التسلق الطبقي عن طريق استغلال الموارد الجماعية التي تستهدف كنس جيوب المواطنين.
فهل في مثل حالتنا تجرى انتخابات حرة و نزيهة ؟ إن الناخبين يعرفون، و الذين تختارهم الجهات الوصية كمنتخبين يعرفون، و المسؤولون يعرفون أن الشروط القائمة في المغرب بصفة عامة، و في منطقة الرحامنة بصفة خاصة، لا يمكن أن تفرز انتخابات حرة و نزيهة. فنسبة الفقر تفوق كل التقديرات، و الذين يستغلون المنطقة هم كمشة من الإقطاعيين و شبة الإقطاعيين، و من البورجوازية المتعفنة التي تنهب خيرات المنطقة بشراهة، و فرص الشغل منعدمة، و المعطلون الذين يحملون مؤهلات مختلفة يتزايدون سنة بعد سنة، و الارشاء و الارتشاء يضرب اطنابه في علاقة الإدارة أنى كانت هويتها بالمواطنين. و لذلك، و انطلاقا مما رأيناه أعلاه، فإن إجراء انتخابات حرة و نزيهة يحتاج إلى تغيير تلك الشروط، فهل يمكن الحديث عن افق لتغيير تلك الشروط ؟ هل يتم تغيير الدستور القائم بدستور يكرس سيادة الشعب المغربي ؟ هل يتم تغيير اللوائح الانتخابية القائمة بلوائح ذات مصداقية ؟ هل يعاد النظر في القوانين الانتخابية بما يتناسب مع ضمان سيادة الشعب على نفسه، و بما يضمن وضع حد لكل الخروقات التي تعرفها الانتخابات في مختلف المحطات؟ هل يتم تشكيل حكومة للإنقاذ الوطني من اجل إجراء الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية الضرورية لإجراء انتخابات حرة و نزيهة ؟ هل يتم تشكيل هيأة مستقلة للإشراف على نزاهة الانتخابات ؟ يقوم القضاء بدوره في وضع حد للخروقات التي تشوب عملية الانتخابات في مراحلها المختلفة ؟ هل تحترم إرادة الناخبين ؟
خاتمة :
و الخلاصة التي نصل إليها أن حالتنا على المستوى الوطني، و على المستوى المحلي في حاجة إلى تفحص عميق للأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية لمعرفة هل البنيات القائمة في المغرب هي التي تقف وراء التزوير ؟ أم أن ما يجري في الانتخابات تخطط له، و تنفذه الجهة الوصية ؟ و لما يقبل المواطنون بالنتائج التي يعلمون أنها مزورة ؟ و لماذا ترفض أحزاب معينة نتائج الانتخابات و تقبل بالبقاء في المؤسسات المزورة ؟ لماذا لا تنظم حملات للدعوة إلى حل المجالس التي يتبين الجميع أنها مزورة ؟ لماذا لا يوضع حد للاتجار في الضمائر في مختلف المحطات الانتخابية ؟ لماذا لا يتم تجريم إقامة الولائم في الحملات الانتخابية ؟ لماذا يقبل المشاركون في الانتخابات بالدستور الممنوح، و يمسكون عن المطالبة بالإصلاحات الدستورية كما كان يحصل من قبل ؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات ستقودنا إلى معرفة جوهر المشكل في العملية الانتخابية. و بالتالي فإن إيجاد حل لذلك المشكل يقتضي وجود برنامج نضالي ديمقراطي يساهم في وضعه المخلصون إلى هذا الشعب، و إلى تاريخه النضالي، و يعمل على أجرأة تنفيذه في مراحل محددة لأجل :
- إعادة النظر في الدستور حتى يصبح دستورا شعبيا.
- إعادة النظر في الهياكل الإدارية التي تمرست على التزوير الذي اصبح بالنسبة لها مرضا عضالا.
- إعادة النظر في القوانين الانتخابية حتى تكون ضامنة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة.
- إعادة النظر في الجهة التي تشرف على الانتخابات.
- تفعيل الجهاز القضائي حتى يلعب دوره في المحطات الانتخابية.
- وقبل ذلك و بعده معالجة مختلف المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية باعتبارها مشاكل تساعد على التزوير.
و أي مشاركة في الانتخابات بدون حصول تغيير لصالح إجراء انتخابات حرة و نزيهة يعتبر ضربا من العبث، سواء كان التصويت فرديا أو باللائحة.
و في أفق إعادة النظر في مختلف المشاكل المطروحة، و العمل على إيجاد حلول لها، فليتنافس المتنافسون المخلصون و الغيورون على الشعب المغربي الذي قدر للانتخابات التي عرفها أن تكون مزورة، و قدر للأحزاب التي تدعي تمثيله أن تقبل بذلك التزوير، و أن تستفيد منه لحساب التسلق البورجوازي. و هو ما يحسب على هذه الأحزاب لا لها... و للكلام بقية.
محمد الحنفي
ابن جرير في 11/2/2003
0 Response to "الانتخابات الجماعية وتكريس الثقة عند المواطنين بقلم محمد الحنفي"
إرسال تعليق